الفصل
الرابع
المرحلة
الثانية من الإقامة في صلالة
في تلك الفترة
شهد التدريب المهني التابع لما كان يُعرف
بمؤسسة التدريب المهني من نظام المعاهد التي تقبل ما بعد الإعدادية إلى نظام
الكليات التي تقبل طلاب المرحلة الثانوية لتخريج طلابٍ مهنيين. وكان اسمها بتلك المرحلة الكليات الفنية
الصناعية. بدأت كمرحلة انتقالية ببرنامج قديم إلى نظام يعتمد اللغة الانجليزية
بالتدريس. وحضر لهذه المرحلة مجموعة من
الأردنيين لإدارة الكلية وهم الدكتور خلف هاجم التل عميداً لكلية صلالة، والمرحوم
الدكتور يوسف الطروانة عميداً لكلية ابراء الذي انتقل الى رحمته تعالي بحادث سير
مؤسف بمسقط. أما كلية الرستاق فقد كُلف
الدكتور صادق الحموز بإدارتها، في حين كُلِّف الدكتور (معالي الدكتور في الأردن لاحقا)
عادل الطويسي بإدارة كلية نزوى، في حين بقيت كلية مسقط تحت إدارة الدكتور عبد
الحكيم الإسماعيلي عماني الجنسية. وقد حضر
معهم طاقم كبير من المدرسين الأردنيين وأذكر أنه حضر مع الدكتور خلف هاجم إلى صلالة
الدكتور عارف حمو مدرساً ثم رئيساً لقسم
الدراسات التجارية ثم قائماً بأعمال عميد الكلية في الفترة الأخيرة والأستاذ نصر
بطاينه لقسم تكنولوجيا المعلومات والأستاذ ماجد الحاج في قسم اللغة الانجليزية. وكما
جرت العادة تم التعرف على الأساتذة الكرام وقمنا (كل الأردنيين بالكلية
المتوسطة)بواجبهم خير قيام ولا نمن عليهم بذلك فهم أهل كرم كذلك.
بقينا على علاقة طيبة نحن مدرسي الكلية المتوسطه للمعلمين وكنا ندعوهم في
كل مناسبة وتزداد اتصالاً بهم يوماً بعد يوم.
وكلما ازدادت العلاقة توطدا بهم ازداد حرجي بمفاتحة الدكتور خلف التل
برغبتي بالعمل لديهم لأن عام 1994 / 1995 كان السنة الأخيرة لي بكلية المعلمين، وقد
أحس هو بذلك فطلب مني إن كنت أرغب بالعمل ان أزوده بأوراقي ففعلت باليوم التالي وأرسلها
الى مسقط لهيئة التدريب المهني. وفي نفس
العام بدأت
الكليات بتطبيق نظام المؤهلات الوطنية (GNVQ) و هذا جعل الطلب على مدرسي اللغة الإنجليزية كبيراً منذ ذلك
الوقت. وهذا ما رفع درجة الأمل بالموافقة على طلب التدريس، وتمت الموافقة بعد
مقابلةٍ لي بمسقط.
و في شهر ابريل 1995 قال الدكتور خلف لي إنهم يريدون أن يقابلوني بمسقط،
فذهبت للكلية بمسقط حيث كانت تتم المقابلات هناك. خضعنا لمقابلة بدأت رسمية ثم
تحولت بعد عشر دقائق إلى غير رسيمة؛ خلعنا خلالها الجاكيتات وجلسنا مقابل بعض وأصبح
الحديث ودياً مع جون ميكفارلن مدير برنامح
ال (GNVQ)، الذي قال
لي( Enjoy your flight to Salalah). سارت الأمور كالمركب التي تدفعها ريح طيب بسهولة و يُسر. وأصبحتُ
حديث مدرسي الكليات أن طلال هو الباقي الوحيد بصلالة والجميع ذاهبون.
بدأنا (العائلة) بالاستعداد للنقل وأصبحنا نفكر بأي الفلل سنسكن أو ربما
الشقة أفضل، إلى أن بدأت الريح بالتغير، و اكفهر وجه البحر لربان المركب، وأصبحتُ
أسمع عبارات الاعتذار لأني طلبي للنقل لم تجزه قوانين الخدمة المدنية التي تحظر
النقل بين المؤسسات بعد انتهاء الخدمة من أحدهما ؛ فمن ينهي عمله عليه أن يُغادر
السلطنة ثم يعود بعد سنتين. و عندما لم أستطع فعل شيء غادرت بالتاريخ الذي ذكرته
سابقا الى الأردن.
عدت للأردن وبدأت عملي مدرساً للغة الانجليزية في كلية الحصن للمهن
الهندسية بشهر أيلول (سبتمبر ) 1995 حيث لم يكن بالإمكان الرجوع إلى كلية مجتمع حوارة
لأنها انتقلت لوزراة الصحة ككلية تمريض، ولهاذا تم توزيع تركتها معلمين وطلاّباً وخلافه
على باقي الكليات.
الخيرة فيما اختاره الله
لا يدري الإنسان أن الله دائماً يختار له الأفضل، ولكن الأنسان خلق عجولا.
كثيراً ما كنا نصلي صلاة الاستخارة بخصوص الإنتقال للكلية الفنية وفي ذهننا طبعاً
أن الله يحقق لنا هذه الأمنية، ولكن عندما شاءت إرادته تعالى أن تعرقل المعاملة
بديوان الخدمة المدنية داخَلَنا شعور بعدم الرضى عن هذه النتيجة وتبخر من خاطرنا
أن أحد اشكال استجابة الدعوى هو أن يبدلنا الله خيراً منها أو يؤخرها حتى تتحقق
مشيئته بعد فترة. القصة هي كالتالي:
بدايةً التحقت بوزارة التعليم العالي الأردن اعتباراً من 1/ 9 / 1995 فتم
تعيني بكلية الحصن الجامعية لأن كلية حوارة كانت قد الغيت وتم توزيع كادرها على
باقي الكليات. واستمر تعيني فيها الى أن طرق بابنا صهري أبو علاء رحمه الله يخبرني
أن عُمان قد أرسلت تذاكري على طيران الخليج في شهر يناير 1996. وهذا يعني طبعاً أن
أنني بقيت بالأردن سنة ونصف بالتمام و الكمال. وقد تجلت حكمة الله لي بالذهاب إلى
الأردن بعام 2004 عندما كان عليِّ أن أختار بين الاستمرار بالعمل بالكلية الفنية
بعمان أو أعود إلى الأردن، فاخترت الاستمرار وعندها كان علي التقدم بطلب الإحالة
على الاستيداع، واتضح لي أن خدمة (السنة ونصف) هذه كانت العامل الحاسم بالوصول
بسنوات خدمتي إلى السن الذي يؤهلني للحصول على الاستيداع ثم التقاعد، فلا تتصوروا
كم كانت فرحتي بهذا و خجلي لأنني لم أفطن إلى استجابة الله تعالى لصلاة استخارتي
عام 1995،وحزنت على عدم تمكني من الالتحاق بالكلية بعام 1995، وكانت هذه الخِيرةَ
الأولى لصلاة الاستخارة. وأصبحت أروي هذه
القصة لكل من يتذمر من موقف مشابه.
أما الخيرة الثانية فكانت أكاديمية؛ إذ طلبت جامعة قطر محاضرين للتدريس
هناك وتقدمت بطلب لهم، فطُلِبتُ للمقابلة بالسفارة القطرية، وهذا أعطاني شعور
أكاديمي بأنني أيضا مطلوب بأماكن أخرى، وليس فقط عُمان. وأذكر أن السيدة التي قابلتني قالت لي ستنبسط
عندنا بقطر، وهذا أعطاني أيضاً دفعة بالثقة بالنفس أنني مطلوب أيضاً خارج عُمان.
طبعاً حدثت ترتيبات عندهم بالجامعة جعلتهم يختارون أثنين فقط من جامعة اليرموك ليتمكن
واحد منهم فقط من الذهاب وتهدر الفرصة على الباقيين.
الخيرة الثالثة وهي إنسانية بحتة أتحفظ عن الخوض بتفاصيلها كثيراً، إلا
أنها وباختصار دلت عن تعامل البشر يختلف باختلاف الأزمنه والأمكنة والظروف، واللي
بتحسبه موسى بيطلع فرعون. مررنا كعائلة
بمطبات كثيرة وتفاجأنا من بعضها وغضبنا من البعض الآخر وكظمنا غيضنا في حالات
أخرى. كان يداخلني شبه يقين بأنني عائد الى عمان وأن المسألة مسألة وقت؛ أي انني
كنت اعتبر نفسي بإجازة طويلة.
هناك أيضا خِيرة رابعة لفترة السنة ونصف في الأردن بين الكليتين هي أنني
ترقيت إلى الى الدرجة الثانية، مما رفع من راتبي التقاعدي لاحقا. فهل هناك من شك بعد كل هذا أن الله دائما يختار
لنا الأفضل!!! الحمد لله على نعمه ظاهرها وباطنها.
تقدمت بطلب لإجازة بدون راتب من وزارة التعليم العالي الأردنية وعدت إلى سلطنة
عمان بتاريخ 25 / 1 / 1997. وهكذا ما زال
يسير بي الزمن في صلالة منذ ذلك الزمن إلى يومنا هذا، والحياة كما تعلمون لا تصفو
مشاربها دائما.
لهذا سيكون حديثي عن عُمان و صلالة و المجتمع الظفاري خلال هذه الفترة الطويلة حديث
المشاهد لكل ما يجري حوله، أسجلها كما عشتها شخصياً وقد أكون مصيباً أو مخطئاً
فالعصمة لله وحده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق