الثلاثاء، 23 أغسطس 2016

تتمة الفصل الثالث

شعور بالندم

من المساوئ القاتلة عندما تكونَ ضمن مجموعة معينه هو أنك لا تستطيع أن تستقل بتفكرك. فقبل حضور الأسرة أصبح الحديث بين الأصدقاء يتردد من الذي سيستقبل الأسرة عند الحضور، فقلتُ سأذهب أنا لاستقبالهم فرمقني الحضور بنظرة استغراب، ليقول بعدها أخي الأكبر الدكتور أحمد سندبر أمر استقبال أسرتك (بنخلي فلان يستقبلهم) فرفضت لأن هذا الشخص لا أعرفه مع احترامي له، وأصررت على الذهاب، لكن هذا يقول مصروف زايد، وآخر يقول  غامزاً بعينيه يا عمي هذول درجة خاصة شو هامهم ( ولموضوع الدرجة الخاصة حظ من الحديث لاحقاً) ونتيجة لهذا اقتنعت بأنني لا أريد أن أُصنف من فئة المبذرين ولا زمرة المتكبرين، فاتصلت بزميلي الأستاذ جاسر عنانزة لاستقبال الأسرة الذي رحب مشكوراً، فكان له فضل آخر إضافة للفضل الأول عندما استقبلنا بمسقط. 

تصادف قدوم الأسرة إلى مسقط مع احتفالات السلطنة بالعيد الوطني العشرين، فانبهروا لكثرة مظاهر الاحتفال من لوحات تعبيرية وإضاءة تغطي العمارات الكبيرة والميادين العامة فضاعف هذا من سرورهم، فأشاع البهجة في نفوسهم واعتبروه فال خير بحياة جديدة مختلفة تبشر بحياة أفضل. وشعرت بهذا من نبرة صوتهم عندما كلمتهم لحظة وصولهم إلى بيت الأستاذ جاسر عنانزة، وهنا لا بد من شكر زوجة الأستاذ جاسر لقيامها بأفضل واجبات الضيافة تجاه الأسرة كما أخبرتني أم محمد لاحقاً. 

المفاجأة كانت أن تذاكرهم كانت لمسقط فقط وعلى الكلية توفير تذاكرهم لصلالة، وهنا خضعنا لنوع آخر من منغصات الحياة وهو أن الكلية قالت نحجز بالسفر العادي ولكن تذاكر القدوم تحجزها الوزارة، وطبعا لا بد من استشارة الوزارة وهنا قلت لمساعد المدير عائلتي بمسقط ولن أسمح بأن تبقى بمسقط إلى أن تسألوا الوزارة وسأشتري لهم التذاكر من جيبي الخاص ثم نرى لاحقا مسؤولية من. بعدها بساعة جاءني من يخبرني أن التذاكر اشتريت و أن الأولاد سيكونون بصلالة اليوم التالي.


اكتمال العِقد

وصلت العائلة إلى صلالة بشهر نوفمبر 1990 وكنت باستقبالها بسيارة الأستاذ عاطف جرادات (ابو المنذر) المازدا ال 323 الصالون الذهبية. هكذا كان العُرف أن يذهب شخص مرافق معنا لاستقبال الأسرة حتى لو امتلكنا السيارة، فقد كان تفسير الشيوخ الكبار من الأردنيين بصلالة أن الزوج قد يصاب بحالة من عدم التركيز عندما يرى زوجته وأولاده من فرط فرحه بوصولهم. وبعد دقائق كانت الأسرة بصلالة بشقة صغيرة مكونة من غرفتي نوم و مطبخ وغرفة ضيوف وحمام واحد. لا أذكر ماذا حدث بالضبط ولكننا نظرنا إلى بعضنا نظرات مغزاها أن ( الحمد لله، أخيراً اكتمل العقد وهدأ البال)، ثم ناموا جميعاً نوماً عميقاً حرموا منه مدة قاربت الأربعين يوماً. صحونا بعدها لتبدأ حياتنا كجزء من الجالية الأردنية المتواجدة بصلالة بتلك الفترة الزمنية والتي ستكون موضوع حديثا بالفصل الأخير.  

الراتب

شكل موضوع ترتيب أمور البيت والأسرة المالية أحد أهم القضايا المهمة، إذ تختلف حياة الأعزب عن صاحب الأسرة. علمت عندما حضرتُ إلى الكلية أن الرواتب تتأخر عادة للموظفين الجدد حتى يستكملوا الإجراءات الحكومية، ولكن وحسب القانون يُعطى الموظف الجديد سُلفة مالية بقيمة 150 ريال عماني ( الريال العماني يساوي 1.85 دينار أردني). لكن هذه السلفة لا تكفي تجهيز الموظف للأساسيات من أموره الحياتية، لذلك كان لا بد من الإستدانة بمبلغ مقارب عندما حضرت الأسرة.


مكرمة صاحب الجلالة  

من الأمور التي ما زالت زوجتي تذكرني بها أن حضورهم كان فأل خير علينا كما يقال عندنا بالأردن، إذا بعد حضورهم بأيام قليلة وقبل الاحتفال الرسمي الرئيس بالعيد الوطني زفت لنا الأخبار نبأ مكرمة صاحب الجلالة على موظفي الخدمة المدنية صنفها المرسوم بعدة مستويات و لكنه خص الموظفين الوافدين براتب شهر يُصرف فوراً، لهذا كما قال الشاعر :

ضاقت فلما اشتدت حلقاتها                            فرجت وكنت أظنها لا تفرج

شملتنا مكرمة صاحب الجلالة رغم وصولنا بتلك السنة لأننا وصلنا بأول السنة وقبل البدء بالاحتفالات وبعد الخبر بأيام قليلة جداً توجهنا لمكتب المحاسب لنجد مغلفاً بقيمة (605 ريالات عماني) لتنفرج كل مشاكلنا المالية ومنها موضوع السيارة حيث أن السيارة المازدا الحمرا 626 موديل 1982 التي تعود ملكيتها لزميلي انتقلت ملكيتها لي بعد دفع مبلغ 550 ريالا ثمناً لها، وهنا أصبحنا من ملاك السيارات.    




وصول الراتب

بما أن الشيء بالشيء يُذكر أجد من المناسب أن أعرج على كيفية وصول الراتب. نعم، أخيراً وصل الراتب وهو راتب ثلاثة أشهر سوياً. وعندما أُستدعينا لاستلام رواتبنا من مكتب المحاسب تسابقنا نحن الجدد للوصول هنا وعند استلام المغلفات حاولنا قدر الإمكان أن نخفي فرحتنا عن بعضنا باعتبار أن ( المصاري) ليست مهمة كثيراً، ولكن قطعاً فعل الجميع كما فعلت عندما وصلت البيت. 

دخلتُ البيت فرحاً ضاحكاً وجمعت الأسرة الصغيرة ونثرت المبلغ فوق رؤوسهم وقلت لهم هذا ما يمكن أن نجمعه بالأردن طيلة عمرنا، فرح الجميع وسمعت منى تقول الحمد لله، وبالمناسبة هي كثيرة الحمد لله مهما كانت المناسبة.

اقتضى منا الوضع الجديد أن نستأذن من الدوام لنفتح حسابا ببنك عمان العربي لسهولة التحويل منه للأردن، وأذكر أن نائب المدير كان اسمه حسين وهو أردني الجنسية. ثم أصبحنا نودع شهرياً لأن الرواتب كانت تصرف عند محاسب الكلية، وبقينا على هذا الحال إلى أن أصبحت تُحول تلقائياً إلى البنك في عام 1993 على ما أظن، فأصبحت زيارة البنك ضرورية كل شهر لسحب مصروف الشهر بشيك لأن خدمة الصراف الآلي والبطاقات لم تكن معروفة.

وهكذا سار بنا مركب الاغتراب يتهادى من سنة الى أخرى بين مد وجزر في صلالة إلى أن أقتضت طبيعة الإعارة أن تنتهي في سنة 1995 حيث كانت مدة الإعارة خمس سنوات.  صادف ذلك التاريخ انتقال الكليات بالسلطنة إلى نظام كليات التربية فاقتضى ذلك تغيير معظم طاقم المدرسين بالكليات، ولهذا رافقني في رحلة الرجوع إلى الأردن من كان يعتقد أنه باق في صلالة الى يوم الدين من مختلف الجنسيات بلغ عددهم تسع عشر محاضراً.  فغادرتُ في  15 يوليو 1995.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق