الفصل
الأول
بداية
الطريق
كانت بداية
سماعي بعُمان أيام دراستي الإعدادية قبل عام 1970 وللأسف كانت معلومات قليلة ولا
تتناسب مع حجم وتاريخ هذا البلد المجيد كما عرفت لاحقاُ وكما سأحدثكم عنه في
السطور القادمة. ثم سمعت عنها أكثر عندما قدر لأحد أفراد قبيلتي (وهو مختارها
الآن) الحاج سليمان محمود مصطفى الخطاطبة
(أبو يحي) أن يخدم في صفوف الجيش الأردني بالسلطنة ببداية عهد النهضة، ثم غادرنا الأستاذ شفيق عجاج مدرس
اللغة العربية بمدرستي معاراً إلى السلطنة ليعمل فيها معلماً في صور. و في
هذه الفترة توطدت العلاقة بين صاحبي الجلالة السلطان قابوس بن سعيد أطال الله عمره
وجلالة المرحوم بإذن الله الحسين بن طلال طيب الله ثراه، وكثرت الزيارات المتبادلة
بين البلدين، فأصبح اسم عُمان يتردد كثيراً في الأردن.
في عام 1978
تخرجت من الجامعة وانخرطت في سلك التدريس ولكني كنت خلال هذه الفترة لا أكترث
بموضوعات تشغل بال الكثيرين من أصحاب الأسر والعائلات الكبيرة وهي الإعارة والعمل خارج
الأردن فقد كنتُ أعزباً ولا أحتاج الى ما يُسمى بتحسين الوضع. ولكن عندما كان يذكر موضوع الإعارة ينصرف النظر
إلى الإمارات أولاً ثم باقي دول الخليج، بخلاف الأمر في الستينات حيث كانت الكويت
على سلم الأولويات، ثم السعودية في
السبعينيات. ولم تكن عُمان من ضمن أولويات المعلمين لتدني الرواتب فيها في
تلك الفترة.
عام 1985 حدث
أمران مهمان بالنسبة لي على المستوى
الشخصي: الأول هو استحداث وزارة التعليم العالي بالأردن والتي علّقنا عليها آمالاً
كباراً بالبعثات وتحسن الظروف المالية وتطوير الكليات لتصبح كالجامعات، فقد كانت
طموحاتنا أن نصبح كمدرِّسي الجامعة وضعاً و راتباً. للأسف خابت آمالنا ولم نحقق
شيئاً مما كنا نصبوا إليه لأن الأمر كما تبين لاحقاً كان يهدف إلى فصل
الكليات عن وزارة التربية فقط، وربما لتولية أحدٍ ما منصب الوزير أو الأمين العام.
وقد ازدادت آمالنا بالتطور الأكاديمي على الأقل عندما عُين الدكتور ناصر الدين
الأسد العالم العلامة الكبير وزيراً للتعليم العالي. ربما سيحدثنا البعض عن
الاعتماد العام والخاص وما شابه ذلك للكليات كإنجاز لمعالي الدكتور، ولكني في
الحقيقة لم ألمس شيئاً يُذكر إلا تولية بعض الدكاترة المغمورين منصب عميد الكلية
بعد أن كان سوقهم راكداً؛ فقط لأن من معايير اعتماد الكلية أن يكون العميد يحمل
درجة الدكتوراة؛ فكان الأفضلية لمن يحمل هذه الشهادة من موظفي الوزراة نفسها. لكن والحق يقال أنني سمعت أن معاليه وفي أول
اجتماع له مع لجنة الإشراف على الامتحان الشامل للكليات صحح مفهوماً لغوياً للظرف
الذي كنا نضع فيه الأسئلة، فقد سمع أحدهم يقول نضع الأسئلة في المغلَف فصححه قائلاً
بل تضعها في المُغلِف وليس المُغلَف لأنه يقوم بالتغليف كاسم فاعل على ما أظن في
حين أن مغَلّف اسم مفعول. وبخلاف ذلك لا أذكر للدكتور ناصر الدين الأسد أثراً
ملموساً في وزارة التعليم العالي الأردنية.
أما الحدث
الثاني فهو الانفصال التام والقطيعة بين الوزارتين التربية والتعليم (الأم) والتعليم
العالي (الوليدة) بحيث أصبحت العلاقة بين الوزارتين أشبه ما تكون (بالضراير) من
النساء. وقد سحبت وزارة التربية والتعليم كل الميزات الممنوحة للمعلمين الذين
انتقلوا إلى التعليم العالي كحالة الكاتب (على قلتها آنذاك) وأهمها موضوع الإعارة؛
فقد صدر توضيح أن الإعارة خاصة بمعلمي التربية والتعليم ولا يحق لمن التحق
بالتعليم العالي المطالبة بها. وبدلاً من أن تساعد وزارة التعليم العالي موظفيها
بالحصول على حقهم أخذتها العزة بالإثم و زادت عليه بأنها ترفض أن ينزل مستوى
موظفيها للتدريس بالمدارس من أجل (دريهمات زائلة) وهم الأكفاء الذين يدرسون
بالتعليم العالي. وهنا أغلقت الأبواب جميعها باستثناء باب واحد وهو باب الله
تعالى وهو الرزّاق الذي لا تنضب خزائنه. وبالمناسبة أصبحتُ من المهتمين بموضوع
الاعارة بتلك المرحلة لأنني تزوجت و بدأ الحديث يختلف عن أيام العزوبية.
تعرفت خلال
تدريسي بجامعة اليرموك كمحاضر غير متفرغ في مركز اللغات على بعض الطلبة
العُمانيين، ولكن ما زلت أذكر الطرفة التالية مع أحد الشباب العُمانيين. في
عام 1987 كنت أدرّس مادة (E114) في إحدى قاعات مبنى الآثار وكان الوقت عصراً. دخلتُ القاعة
في أحد الأيام و إذا بي أمام شيخ من شيوخ عُمان كالذين نراهم بالتلفزيون في القاعة
الصفية، فشعرتُ بالحرج أمامه لأننا عادة لا نسمح بدخول الضيوف بدون استئذان
مرافقيهم من الطلاب قبل المحاضرة لأسباب لا مجال لذكرها. وشعرت بالحرج أمامه وهو
يجلس على أحد المقاعد، فقلت وقد بدا عليّ الغضب "، هذا الضيف .... من الطالب
الذي استضافه بالمحاضرة؟" فضحك الضيف وقال " يا أستاذ ما عرفتني!! أنا
صقر الشكيلي" وهو أحد طلاب المساق معي، فارتحت لأن هذا جنّبنا الإحراج، وقلت
له يا صقر شو المناسبة لهذا اللباس؟ فقال إنهم يحتفلون بالعيد الوطني بنادي طلبة
سلطنة عُمان بجامعة اليرموك، وكان الحفل بعد المحاضرة، فلا وقت للذهاب
للبيت لتبديل الملابس، فجاءنا بالبشت العماني والدشداشة العمانية والمصر
والشال والخنجر ولست أذكر إن كان معه السيف أو العصا أم لا، إذ ربما تركها
بالسيارة. كانت هذه فرصتنا لنرى اللباس العماني بدون التلفزيون، وتعرفت كذلك
على مفهوم العيد الوطني العماني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق