الأربعاء، 28 ديسمبر 2016

الكلية المتوسطة للمعلمين بصلالة

الفصل الأول

الكلية المتوسطة للمعلمين بصلالة

كان الدخول إلى الكلية المتوسطة للمعلمين بصلالة احتفالياً بالنسبة لي. توجهنا بصحبة الأستاذ جميل مناصره للكلية المتوسطة للمعلمين بصلالة، تسبقني أفكاري حول الكلية والأبنية والمختبرات والأجنحة حيث أن الأستاذ جميل أخبرني بالأردن أنها كلية على الطراز الحديث، فرسمت لها صورة كأنها جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية.  وعندما دخلنا الكلية وجدتها عبارة عن مبنيين فقط أحدهما للجناح الإداري والأكاديمي معاً، و الآخر للسكن والمطعم الذي يقدم وجباته لطلاب السكن الداخلي،  ومسجد صغير إضافة لموقف السيارات.  كان هناك مختبر علوم ومختبر لغة إنجليزية بالجناح الأول.  وهذا كان يكفي على ما يبدو لأن عدد الطلاب لم يكن بالكبير.
  
وصلتُ الكلية وأذكر أنني قابلت بعض المدرسين من الأخوة المصريين ثم عرّفني الأستاذ جميل على الدكتور رئيس القسم وهو الدكتور محمد العشماوي من مصر الشقيقة فرحب بيّ وبزميلي التونسي الأستاذ مسعود الجباهي أسعد الله أيامه والذي حضر معنا من مسقط، وشرح لنا عن القسم والمواد، وقال أنه يتوجب علينا في البداية أن نبدأ بالفاضل مسئول شئون الموظفين الذي رحب بنا وهو في وضع الجلوس، ودفع لنا بأوراق لإكمالها وطلب صوراً شخصية للمعاملات،  فأعطيته ست صورٍ كانت بحوزتي فضحك وقال لا لا بغينا واجد (الجيم تُلفظ بالطريقة المصرية)، وهنا تعرفت على أول كلمة باللهجة الظفارية وهي واجد بمعنى الكثير وهي نفس كلمة (وايد) بالكويتي.  و إذا أرادوا أن يبالغوا بالكمية قالوا واااااااااجد.  لهذا لم تكتمل معاملاتنا بنفس اليوم حتى نحضر الصور. طبعاً أكملنا المعاملة بعده بأيام بما فيها الهجرة والجوازات لوضع الإقامة على جواز السفر، واقتضى ذلك التبصيم ( أخذ البصمات) على الطريقة القديمة بالحبر الأسود وجدنا صعوبة بالغة بتنظيف يدينا منه لاحقاً.

انتقلنا بعدها لمقابلة مدير الكلية فلم يكن لقب عميد شائعاً في ذلك الوقت وهو المرحوم الأستاذ الدكتور حنفي إمام من مصر الشقيقة.  كان معي بالمقابلة زميلي الدكتور احمد العودات مدرس مادة التاريخ، والدكتور صلاح عيد أستاذ فيزياء نووية من مصر، وكانت زوجته  الدكتورة بكلية المعلمات فلم تكن الكليات مختلطة بتلك الفترة إضافة للأستاذ مسعود الجباهي.  حرص الدكتور حنفي على أن يرحب بنا على طريقته وأولها أنه لا يسمح أبداً بأن ينقل أحد كلاماً عن زميل آخر، ليتضح لنا لاحقاً أن شأنه شأن معظم المدراء يفتح أذنيه لمن يريد ويصدق من يريد، ومن يدري ربما كانت تلك الإشارة دعوة من لدنه لأن نمارس هذا الفعل، لكني لم ألتقط هذه الإشارة.

 وكذلك حرص في هذا الاجتماع أن يعرّفنا بأنه لديه جرس خفي يدوس عليه ليحضر بعدها الهندي محي الدين، وفعلاً دخل محي ليأمره أبو الأحناف بأن يعود من حيث أتى، فعاد الهندي.  ثم عرض لموضوع السكن فقال أننا يجب أن نصبر فالميزانية لم تكتمل بعد وأن شاء الله عن قريب سنحصل على فرش كامل، وحصلنا عليه فعلا بعد شهرين تقريباً أي قبل حضور الأسرة بأسبوع.  ثم لا بد لسعادة المدير أن يوضح (بشكل غير مباشر) لنا الطريقة التي يحب أن نعامله بها فقام بذلك عمليا (كمشهد تمثيلي) فاستدعى أستاذاً مصرياً جليلاً يحمل الدكتوراة بالكلية ليسأله عن موضوع معين، فرأينا أمام أعيننا مظاهر التبجيل والاحترام المبالغ فيه، وكأنه يحي رئيس جمهوريته؛ ولم نكن نسمع من الأستاذ المبجل إلا عبارة حاضر يا افندم.  هذا التوضيح لم يحظ منا بالاهتمام الكافي فافتعل موقفا حول السكن مع الدكتور صلاح (من مصر) تبادل الطرفان بعض العبارات القوية ولكنها بقيت ضمن الحدود انتهت بأن المدير كبر دماغه تجنباً لمواجهه مع الدكتور صلاح، وهذا دلنا على أن التعميم خطأ فادح، فما يقبل به البعض من الخنوع لا يقبل به آخرون.

لقد كانت النسبة الكبرى من المدرسين من مصر الشقيقة باعتبارها طبعا الأكثر سكاناً، تليها النسبة متقاربة بين الجنسيات الأردنية والسودانية والتونسية والمغربية.  أما الأخوة من أبناء بلدي الحبيب فكانوا كما يلي: الأستاذ محمود فضة أبو رياض مدرس اللغة العربية، و الأستاذ جميل مناصره مدرس لغة انجليزية، وهو زميل قديم من أيام الجامعة (1974 – 1978) وهو من أربد، والأستاذ عاطف جرادات من عمان وهو  مدرس رياضيات، والأستاذ خليل معايطه من الكرك وهو مدرس مادة التربية.  وهنا لا بد من شكر الأخوة الكرام على حفاوتهم بنا، فقد دعينا على الغداء عندهم جميعاً بدون استثناء بما فيهم الأستاذ جميل الذي كان أعزباً وليس على الأعزب حرج من الناحية الاجتماعية؛ فقد أكلنا أول أكلة سمك في صلالة عند الأستاذ جميل رتبها هو شخصياً. أما بقية الإخوة فقد كانت المناسف الأردنية سيدة الموقف طبعاً.
 
رغم أن الطلاب لم يكونوا موجودين بحكم العُطلة إلا أنني كنتُ متحفزاً للعمل والبحث عن البداية، وهنا عرفت الأستاذ المغربي وهو  مصطفى الموسوي منسق التربية العملية الذي قال "يا أساتذة بغيناكم تشرفوا على المتدربين بالمدارس"، فقلنا على الرحب والسعة، وكان نصيبي أن أشرف على طالب لغة عربية بمدرسة أنس بن مالك و هو الطالب (الدكتور الآن) عبد الله غواص، فاشرفتُ على سير تدريبه هناك، وبهذا كان الدكتور عبد الله غواص أول طالب قابلته. وبالمناسبة لم يكن التخصص مطلوباً بتلك الفترة لغايات التدريب باعتبار أن خلفيتنا تربوية ويمكن أن نشرف على كل المواد.  وكان هذا أول عمل أقوم به بعد وصولي. هذه الأيام يشغل الفاضل الدكتور عبد الله غواص منصب مدير مكتب التربية والتعليم بثمريت بمحافظة ظفار. بالمناسبة كان موضوع الخلفية التربوي الذريعة التي أصبحوا بتذرعون بها عندما يريدون تكليفنا بأعمال إضافيه.  لم نكن نمانع بهذا بالبداية فقد كنا سعداء جداً،  لكن عندما انقلب هذا الأمر كحجة لإعطاء البعض قسطاً من الراحة لنقم نحن بعملهم، كان هذا مرفوضاً داخلياً، ولكن كنا ننفذه طبعاً. 

وقد لاحظت أن بعض الإخوة من الزملاء يتعمد أن يُعطي عمله هالة قدسية وكأنه الوحيد الذي يستطيع القيام بهذا الأمر ويغضبُ جداً إن تدخل أحد بعمله هذا لأن الآخر سيفسد عليه عمله، وفي الحقيقة كان هذا وسيلة للحفاظ على لقمة العيش لاعتقاده انه ستنتهي خدماته (سيُفنش باللغة المحلية) بمجرد أن عرف الآخرون سر طبخته وهو ما يعرف بالانجليزية (Job Security).  وفي الحقيقة لم أجد عملا (إدارياً) لا يستطيع أن شخص آخر القيام به باستثناء المواد التخصصية طبعا.  وكان الأستاذ منسق التربية العملية من هؤلاء. 

كذلك يمكن تصنيف دكتورين محاضين فيقسم التربية والمناهج من مصر الشقيقة من هذا الصنف أيضاً، فقد كانا يصرفان وقتهما على ترتيب جدول الحصص أكثر مما يصرفانه على محاضراتهما بموافقة رسيمة من العمادة، وفي كل مرة وعند بداية كل فصل نمضي نصف الفصل ونحن نرتب تضاربات جدول الحصص لكثرتها، فكنا نحن من ننهي الجدول.  وكثيراً ما كانوا لا يذهبون لمحاضراتهم لأنهم شغّالين بالجدول.

 لقد كان الأخوة يتعمدان أن يسأل أحدهما الآخر سؤالاً أمام الحضور كمشهد تمثيلي " أيه يا دكتور: حنعمل أيه في جدول السنة الجاية، فيرد عليه والله يا دكتور شكلنا حانخذه معنا بالصيف لمصر و ربنا يسهل؛ فيتذمر الآخر الله يعني ما فيش أجازة السنة، يالله مش مهم" عند العودة من الإجازة نجد أن الجدول على حاله، وأشك أنه غادر درج الطاولة في صلالة أصلاً  ليبدأ نفس الموال : أخونا فين؟ بحضَّر بالجدول كحال حنفي بمسرحية (المتزوجون) حنفي فين بالمعمل: بيعمل ايه؟ بيحضر ذرّة".


  لقد عشنا أكثر من موقف درامي هزلي كهذه بأكثر من مناسبة، ولعل من المناسب أن أعرج على حفل التخريج عام 1991 الذي كان بقاعة مطعم المحيط (فندق الهلتون حالياً) على الشاطئ حيث كان تسليم الشهادات للطلاب الخريجين. ولقد كانت تواجه الطلاب مشكلة لا تذكر وهو غيابهم جماعياً قبل الامتحانات فهدد سعادة المدير بفصلهم ويعلم أن هذا الأمر ليس بيده، فالطلاب خريجون.  وعند بداية الحفل قام سعادته وقبل أن يبدأ بتسليم الشهادات قام وقال: "نحن مدير الكلية قررنا العفو عن الطلاب بموضوع الغياب" فصفقنا مع الطلاب له لا فرحاً بالقرار ولكن ضحكاً على المشهد الكوميدي، فقد استخدم حضرته الضمير "نحن" وهذا عادة لا يستخدمه إلا الرؤساء.  ومن هذه المواقف الكثير ولا مجال لحصرها.

الأحد، 25 ديسمبر 2016

التعليم العالي في صلالة

الباب الثالث

التعليم العالي  في صلالة

 يشمل هذا الباب فصلين لتغطية المرحلتين / الكليتين  اللاتي عملت بهما.  وهما الكلية المتوسطة للمعلمين  والكلية الفنية التقنية.  ولن أعرج على باقي المؤسسات بمرحلة التعليم العالي كجامعة ظفار أو الكلية التخصصية أو المعاهد الأخرى لأنني لم أعمل بهما.

وسيكون حديثي  في الفصل الأول عن الكلية المتوسطة للمعلمين حديث التاريخ  لأنها فترة قضت وانتهت ولم يعد لها وجود.  بقي البناء وتطور و لكن الهدف والرؤية والبرامج للكلية تغيرت. لهذا سأتحدث عن ما يخصني في الفترة ما بين 1990 - 1995.

لكن الحديث في الفصل الثاني سيكون عن الكلية التقنية وسيأخذ جانباً آخراً.  سأكون فيه شاهداً على العصر على طريقة برنامج أحمد منصور بالجزيرة؛  لكن بدون أسئلة من مذيع؛ سأتخيلها وأجيب عنها بالشكل من وجهة نظري.  ستكون لي فرصة لسرد مراحل تطور الكلية التي تأثرتُ و عملتُ بها شخصياً، ولن آتي على ذكر ما لا يعنيني من باقي الأقسام في الكلية.

ستقتصر علاقتي بباقي الأقسام على فترة الاختبارات بنهاية القرن الماضي التي كنت فيها ضابط اختبارات. ولكن جُلَّ الحديث سيكون منصباً على قسم اللغة الانجليزية؛ وسأعرض لبرامجه وأقارنها مع ما سبقها من برامج؛ و كما هو معلوم بالمقارنة تظهر جودة الأشياء أو خلاف ذلك.

سأعرض لمراحل تطور القسم فقد كانتُ مشاركاً بتنفيذ الخطط والبرامج و ليس بوضعها، لهذا ستكون فرصة لتقيمها من وجهة نظر شخصية و إن كات أحيانا تعكس رأي العديد من الزملاء؛ إذ أن ما سأقوله قد قال به بعض الزملاء ببعض الاجتماعات أو بما يسمى (Corridor Language) حول مسار القسم.   لهذا هو تقييم ونصحية غير ملزمة لأحد.

ولأن الكتاب  هو تجربة شخصية فقد حرصت أن يظهر كل ما قلت عن الكلية من وجهة نظري ومدى تأثري  شخصياً بما حصل.

وللتوضيح مسبقا فإنني سأتحدث عن برامج ولن أتحدث عن أشخاص؛ فكل من تشرفت بالعمل معهم هنا إخوة أعزاء أكِنُّ لهم التقدير والاحترام.  لهذا كان هدفي التجربة بحد ذاتها أكثر من الأشخاص حتى عندما سأعرض للتجربة الكندية بتعليم الانجليزية.


 تفضلوا معانا   



الجمعة، 23 ديسمبر 2016

الأنواء المناخية

الفصل السابع

الأنواء المناخية
 
للأسف فإن موقع السلطنة في هذه المنطقة جلب لها بعض المشاكل المناخية التي عادة ما تتأثر بها الدول التي تقع ضمن هذه المنطق المدارية، فجعلها عرضة لما يطلقون عليه الأنواء المناخية هنا وهي تتراوح في قوتها وأثرها على البيئة العمانية.  وبما أنني أكتب من واقع خبرتي هنا، ولا بد من التوضيح أنني لم أشهد مثل تلك الأنواء في فترة إعارتي الأولى للسلطنة ما بين 1990 و 1995، فلم تكن تلك العواصف القوية باستثناء أمطار الخريف في صلالة. كنا نسمع بالشمال عن أمطار الشتاء وجريان الأودية ولكنها كانت ضمن معدلها الطبيعي.

 لكن و منذ عام 2000 تقريبا (و التواريخ كلها تقريبية هنا) و لا أدري إن كان لعبث الإنسان العلمي بالطبيعة بحجة التطور أثر فيما جرى ولكن الأجواء المناخية تغيرت كما تغيرت أحوال العالم. في عام 2002 صحونا على صباح لطيف نسبيا في شهر يونيو (حزيران) و أرسلت الأولاد إلى مدارسهم وتوجهت إلى الكلية لأفاجأ بسيلان المياه بشارع 23 يوليو وعندما وصلت إلى منطقة الزاوية وجدت السير متوقفا ثم حولنا السير بمحاولات منا للوصول إلى الكلية عن طريق الشارع الرئيس المعروف بشارع الرباط وهنا وجدنا الشرطة تحول السير رجوعا إلى صلالة بعد أن غمرت المياه الشارع.  عدنا أدراجنا إلى البيت ووجدت الأولاد قد عادوا إلى مدارسهم وسمعنا بالأخبار أن الأنواء المناخية ضربت بعض مناطق ظفار و تضررت الشوارع وبعض جوانب البنية التحتية بالأماكن التي ضربتها، لم تكن الاستعدادات كافية لأن هذا الحجم لم يكن متوقعاً فهذه أول مرة تحدث فيها الأنواء مثل هذه الخسائر.

في عام 2007 تناقلت الأخبار نبأ إعصار جونو (GUNO) وتمت له الاستعدادات ولكن قوته فاقت كل توقع حيث لا تنفع الاستعدادات بتلك الفترة وضرب مناطق الشمال من السلطنة وبقي حوالي ثلاث أيام خف بعدها تدريجياً واتجه شمالا إلى إيران وباقي مناطق آسيا ولكنه كان خفيفاً هناك. لقد تأثرت المناطق الشمالية تأثراً بليغاً وخاصة مسقط العاصمة وقد قُدرت الخسائر المادية بالمليارات من الدولارات.

في عام 2010 ضرب السلطنة إعصار آخر و هو إعصار فيت (PHET) و هو أقل قوة من الإعصار السابق وهذا ما قلل من الخسائر إضافة طبعا للاستعدادات العامة بالسلطنة و وعي المواطنين الذي يتزايد يوماً بعد يوم فلم نعد نسمع عن مغامرات من قبل بعض الشباب لعبور الأودية تنهي حياتهم.

و يبدو أن الحكومة العُمانية وطدت نفسها على هذا، واعتبرت نفسها مناطق أنواء مناخية ولهذا فهي تستعد استعداداً كافياً لهذه الأنواء. و لا بد من الإشارة إلى بعض الحقائق التالية حول السلطنة عموماً في هذا الخصوص:

1)           سلطنة عمان من الدول المؤمنة حقا بقضاء الله وقدره فمهما كانت العواقب، ولهذا لم أسمع أي شكوى عمانية رسمية أو شعبية مما يجري؛ وكثيرا ما كنت أسمع عبارة أمطار الخير التي تطلق على السيول الهادرة بالمناطق.

2)           القيادة المتمثلة بشخص وقيادة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم  تبرز وقت الأزمات مما يخفف عن الشعب ما يلاقونه من مصاعب الأنواء والأعاصير. ففي الأنواء الأولى ب 2002 كان جلالته في صلالة التي تأثرت بهذه الأنواء، و في إعصار جونو اتصل بالبرنامج المباشر وتحدث بطمأنينة وثقة فلم يروع الناس وطمأنهم بأن مسقط ستعود أفضل مما كانت و بجهود العمانيين، وشدد على ضرورة الرضا بقضاء الله وابتلائه فالمؤمنون هم أكثر الناس تعرضاً للابتلاء.


3)           الدولة العمانية والشعب ازداد وعيهم يوماً بعد يوم، فعند توارد التنبؤات الجوية حول أعاصير قادمة تراهم يستعدون إعلامياً وعلى مستوى البلديات؛ وقد شاهدت هنا بظفار محطات سحب الماء من الشوارع موجودة بأماكن تجمع المياه قبل وصول الأمطار.   وعلى مستوى الأفراد لا يهرعون إلى الأسواق لتخزين المؤن. لذلك تمر الأمور بكل يسر وسهولة وبأقل الخسائر.

4)           يُشهد ويُسجل للدولة العمانية اعتمادها على نفسها ومواردها وهمة شعبها بالنهوض بمسقط بعد إعصار جونو، واعتذرت بكل أدب وعرفان للدول العربية التي هبت لمساعدة عمان. فعادت مسقط أكثر جمالا بجهود أبنائها.


 لهذا فإن سلطنة  تصلح لتكون نموذجاً يحتذى في فن إدارة الأزمات.



الأحد، 9 أكتوبر 2016

الفصل السادي تتمة

احتفالات وزارة السياحة بالخريف (ميدان الاحتفالات)

 كانت السلطنة ممثلة بوزارة السياحة تحتفل بالخريف كل عام، فكانت تكثر حفلات السمر في ميدان الاحتفالات بأوائل التسعينيات في صلالة الجديدة؛ وهذا كما يتضح من اسمه منطقة واسعة شبيهة بملعب كرة القدم ولكنه معبّد، وكان يُستعمل بالاحتفالات الرسمية للمنطقة وتحيط به المدرجات البسيطة، حيث يجلس النظارة يراقبون المواطنين بالاحتفالات وهم يرقصون الهبوت وغيرها من الرقصات الشعبية.  و لقد كان هذا الميدان يستعمل بالخريف باستضافة الفنانين الخليجين وتطور الأمر لاحقاً لاستضافة المطربين العرب.  انا حضرت حفلات لفنانين يمينين لا أذكر أسماءهم رغم شهرتهم هنا، وحضرت لمطربين سعوديين ومنهم  الفنان محمد عمر و لا أدري هل ما يزال فنانا أم انه اعتزل الغناء و قد أعجبني جداً صوته، و ما زلت أذكر له أغنية "عشقت حرف العين من كل الحروف  كلما نطقت العين أشرق بحلاه". وكذلك تم دعوة الفنان السعودي الكبير عبد المجيد عبد الله حيث شدا بأعذب أغانيه هناك.  ولهذا الفنان ذكريات في نفسي ترتبط بهذا الماضي الجميل من أيام الخريف، وخصوصاً يا طائر الأشجان.  وفي سنوات لاحقة تم دعوة  العديد من المطربين العرب كماري سليمان وراغب علامة.  وقد كانت احتفالات السياحة بهذا الموسم تزيد وتتكاثر عاما بعد عام ولكنها بقيت في ميدان الاحتفالات إلى أن غادرتُ السلطنة سنة 1995.

وحتى لا نظلم ميدان الاحتفالات فمن الواجب الذكر بأنه كان المكان المناسب للاحتفالات الشعبية والرسمية بكافة المناسبات الوطنية و الدينية.  ففي العيد الوطني و عيد النهضة و أعياد الفطر و الأضحى كانت تنظم الاحتفالات فيه حيث هو المكان المناسب للهبّوت الظفاري.  و الهبوت يسمى باسم منطقته دائماً فكان عندهم ما يُسمى بهبوت الجبل و هبّوت البادية و هبوت الأرياف و هبوت المدن.  كان المهبتون يدورون بتلك الساحة الواسعة و هم يتغنون بعمان و جلالة السلطان لمدة من الزمن بين تصفيق و هتافات الحضور المستحسنين.  الهبوت لحنه مميز و كلماته لا يعرفها إلا الراسخون بعلم الهبوت، لكن يتم بالعادة نظم بعض القصائد حسب المناسبة تلك وهي على وزن الهبوت ينشدها المهبتون.


مسرح المروج

عندما عدنا  بعام 1997 لاحظنا تغيراً في المكان هناك حيث تم نقل المكان إلى سهل الجربيب في منطقة  تعرف بالمروج وأطلق عليها منطقة المهرجان.  يعتبر هذا المكان أكبر مساحة من منطقة ميدان الاحتفالات من حيث المساحة إذ لم تعد تكفي مساحة ميدان الاحتفالات من ناحية أخرى ارتأت البلدية تخصيص هذه المساحة لأنها كانت تخطط لتطوير هذا وجعله بيئة استثمارية إضافة طبعا للجانب السياحي.  في هذا المكان تم تخصيص مسرحٍ متطور للمطربين بتذاكر و ليست مجانا كما كانت بالسابق؛ وتم إنشاء مسرح المروج  وهو متعدد الأغراض فمنها الحفلات الفنية و المسرحيات وحفلات التخريج لطلاب الجامعة و الكليات، وقد أحييت الفرقة الفنية الأردنية  التابعة لوزارة الثقافة الأردنية حفلا فنيا متميزاً ببداية 2011، وكذلك أصبحت تقام على أرض المهرجان الألعاب الالكترونية للأطفال وأمكان التسوق العامة التي يحضرها مندوبون من كافة مناطق  يمثلون مختلف شرائح التسوق. كذلك تقام معارض  الكتاب.  وعند الاستراحة بين هذه الفقرات يمكن للزائر أن يستريح بأحد المطاعم المنتشرة هناك.

أصبح مهرجان خريف صلالة محطة مميزة عند معظم الفنانين توازي مهرجان جرش بالأردن أو قرطاج بتونس. لهذا لا غرابة أن تسمع بمحمد عبده و أصالة نصري و كاظم الساهر ممن يحيون ليالي الخريف إضافة للفنانين العمانيين. فقد أصبح المهرجان ذا قيمة استثمارية وترفيهية وثقافية للبلد، وأصبح يغطي نفقاته من ريع حفلاته وتأجير محلاته و تذاكر الدخول.

السياحة الخليجية

هذا التغير بالجو السياحي بصلالة جعلها محط أنظار السياحة الخليجية بالدرجة الأولى إضافة إلى تسويقها لاحقا على المستوى العالمي.  فعلى المستوى الخليجي أصبح السائح الخليجي يفضل صلالة عندما يريد أن يحضر بأسرته للسياحة، فتقارب العادات والتقاليد تجعل من السهل على الإخوة الخليجين التجول بصلالة بعائلاتهم دون أن يروا ما يمكن ان يُعكر خصوصياتهم كما يحدث عندما يسافرون إلى بلدان لا تناسبهم من هذه الناحية. كذلك فإن قرب المسافة نسبياً بين صلالة و باقي دول الخليج تجعل من السهل القدوم إلى صلالة بسياراتهم الخاصة وهذا يوفر عليهم مصاريف التذاكر.  لهذا شكلت صلالة  أحد الأعمدة السياحية الخليجية.

أما على الصعيد العالمي فقد وُضعت صلالة على خارطة السياحة العالمية على مدار السنة و ليس بالخريف فقط، فسكان المناطق البارد يفضلون  صلالة بأوقات الصيف مثلا، لكنها أصبحت محط أنظار السياح الأوروبيين؛ أصبحت تُنظم العروض السياحية إلى صلالة  بوساطة شركات الطيران العالمية و ترتب على هذا وجود الفنادق الحديثة فوجدت فنادق الكروان بلازا، و الهلتون و الماريوت إضافة للقرية السياحية الشاملة بمنطقة ريسوت، وكل هذه المناطق على البحر.

أما على الصعيد المحلي فقد انتعشت التجارة و افتتحت المراكز التجارية و انتعشت الشقق الفندقية المفروشة و كثرت،  إذ اصبحت عبارة ( شقق مفروشة للإيجار)  أمام عينيك أينما توجهت.  ومن الأشياء الأخرى التي انعشت مكاتب تأجير السيارات فتراها منتشرة بكل الأماكن بصلالة.

لهذا و بعد التوجه الاستثماري للخريف ولمهرجان الخريف السنوي نمت تجارة الشقق المفروشة فبنيت العشرات من العمارات و المئات من الشقق المفروشة لاستقبال السياح الخليجين.  كذلك توسعت شركات التأجير و أخذت الشكل الفندقي بوجود الاستقبال و الخدمة على مدار الساعة.  و يؤكد المسئولون أن نسبة إشغال الشقق و الفنادق في اشهر الخريف تكون بالعادة 100 %.  و يتراوح أسعار هذه الشقق حسب جودتها وحداثتها وفرشها، و السائح يدفع عن طيب خاطر.

شعبياً

لقد كان وجود الخيام بسهل إتّين ملفتا للنظر لي عند تجوالي الأول في صلالة فعلمت من بعض الإخوة هنا أن هؤلاء الناس يأجرون بيوتهم بالخريف للسياح و يسكنون بالسهل.  و هذه هي المرة الأولى التي سمعت بها بتأجير البيوت للسياح فكنت أظنهم يسكنون الفنادق فقط.  و مع مرور الزمن تعرفت على هذا الجانب المهم و الاستثماري للخريف، فقد سمعت عن أناس يؤجرون بيوتهم الفائضة عن حاجتهم أو شققهم الاستثمارية لبداية شهر يونيو حتى يؤجروها للسياح، و من أراد الاستمرار يدفع أجرة مختلفة، و كان ممن بعض أصحاب العمارات هنا من يرفض تأجير عمارته إلا بالخريف فقط لان المردود المالي لهذين الشهرين يساوي المردود المالي للسنة كلها و أذكر من هذه العمارات ما كان يُعرف بشقق المردوف التي أختفت و أظنها مكان فندق ظفار حالياً. 

أماكن الترفيه

كذلك كثرت أماكن الترفيه على مستوى صلالة فكثرت المقاهي وشاشات العرض ولا يكاد يخلو شارع من هذه المقاهي بعد أن كان عددها محدوداً جداً ببداية التسعينات وبعد أن كان الجلوس على الشوارع عيباً ومقصوراً على الوافدين فقط، فقد اصبح للجميع.
  
مطار و ميناء صلالة

كانت صلالة مدينة هادئة عندما جئناها 1990 لا توجد بها زحمة السير وهذا الاكتظاظ الذي تشهده بعد هذه الأعوام  وهذا ضرورة من ضرورات التطور.  وقد تطور كل شيء بصلالة إلا وللأسف مطار صلالة الذي بقي على حاله من يوم أن دخلت السلطنة إلى هذه الأيام باستثناء البناء الذي حدث فيه بعض التطور.  لكن الخدمة الفعلية بقيت على حالها ومقتصرة على الطيران العماني فقط وهذا الجانب الاحتكاري انعكس على تعامل الموظفين مع المسافرين، ولو دخل عنصر المنافسة لتغير الحال كما حصل بعمان تل عندما دخلت النورس والشركات الأخرى. 

اقتصر وجود شركات أخرى للطيران بصلالة على بعض الشركات التي تؤجر طائراتها للرحلات الجماعية للمعلمين إلى مصر والأردن والمغرب وتونس، أما على الصعيد المحلي فكان الطيران العماني وما زال مسيطراً على الأجواء.  وببداية عام 2000 دخلت شركات أخرى لتنقل الركاب إلى بلدانهم دون المرور بمسقط  كطيران الخليج الذي توقف بعد مدة بسيطة من الزمن وعند انسحاب السلطنة من الشركة، كذلك جاءت شركة طيران الجزيرة  الكويتية، والسعيدة اليمنية  ولكنها (طفشت أو طُفّشت).  وما زال المسافر يدفع 70 ريالا ثمن التذكرة لمسقط إضافة إلى سعر تذكرته إلى بلده الأم.

يشهد المطار هذه الأيام توسعة كبيرة و ربما ينعكس هذا على إدائه و تحويله لمطار دولي كما حدث بميناء ريسوت، وهذا أمل يراودنا بأن يصبح مطار صلالة مطاراً دولياً ينتقل منه المسافرون إلى وجهتم دون المرور بمرحلة الترانزيت، أو  يزداد عدد الرحلات لتصبح فترة الانتظار في مسقط قصيرة بدلا من قضاء الساعات، ونأمل كذلك بتوسيع خدمة المحولين إلى الشركات الأخرى ويتم الوزن وختم الخروج من صلالة، لأنه هذا مقتصر فقط على مسافري الطيران العماني.  وربما نأمل كذلك بتخفيض سعر التذكرة.  بعد الانتهاء من كتابة هذه الفقرة من الكتاب سمعت أن المطار الجديد سيبدأ أعماله من تاريخ 2/6/2015 .

هذا الأيام أصبح للخطوط القطرية و الهندية و العربية و دبي أوقاتاً منتظمة وهذا يعني بداية تحول مطار صلالة لمطار دولي بانتظار  الانتقال إلى الأبنية الجديدة للقادمين والمغادرين وسيكون الدخول عليه من جهة أتين وليس المدخل القديم. 


الجمعة، 7 أكتوبر 2016

دخول الفجل الأحمر للسلطنة

دخول الفجل الأحمر للسلطنة

 و من الطرائف الغذائية الأخرى كذلك هي عدم وجود الفجل الأحمر بالسلطنة لغاية الآن، فالعُمانيون فجلهم أبيض.  لكن ما حكاية دخول الفجل الأحمر للسلطنة!!!

عندما وصلت إلى صلالة و قبل تجوالي فيها و بينما كان الأستاذ جميل يعرفني على الأستاذة الأردنيين توقف عند أحدهم و قال هذا مُدخِل الفجل الأحمر إلى السلطنة فضحك الحضور وأنا ضحكت على أنها طرفة.  لم يكن الفجل الأحمر معروفاً بتلك الأيام وإنما كان فجلهم أبيضاً وطويلا (و كل واحد حر بفجله كما يقول سمير غانم)، وهنا كان لا بد من سؤال الأستاذ جميل عن موضوع الفجل الأحمر، فأوضح أن الأستاذ  المعني  هو استاذ مادة الزراعة ومعار للسلطنة، وعندما حضر لم يجد فجلنا الأحمر هنا أحضر في العام الذي يليه بذور الفجل الأحمر  من الأردن وزرعها و أصبح يهدي من يحب من الأصدقاء ضمة فجل من فجلنا الأحمر بشرط أن يكون هذا الصديق عزيزاً على الأستاذ الكريم.  و لا أذكر أنه أهداني أي ضمة فجل رغم أنني كنت اسمح له أن يغلبني بالشدّة بعد أن يشبعه الآخرون غلوب و يزعل فأخاف عليه. 



الفصل السادس .... تتمة 

الخميس، 6 أكتوبر 2016

الفصل السادس

الفصل السادس

الخريف في صلالة

كما أسلفت في مكان سابق أن موقع صلالة جنوبي مدار السرطان جعلها عرضة لنوع من المناخ يسمونه هنا بالخريف. والخريف باللهجة المحلية هي حالة مناخية تلف صلالة من الثامن عشر من حزيران يونيو إلى الحادي والثلاثين من شهر أغسطس آب الغيوم بدثار لطيف يخفف من حر الخليج الصحراوي فتجعله جواً رائعاً يطلبه سكان الخليج كله.  وقد لفت نظري هذا التسمية من أول دخولي السلطنة عندما قال سائق الحافلة التي أقلتنا إلى سكن الوطيّة بمسقط  وقال "هالحين أواخر الخريف وراحت عليكم السنة"، فاستغربنا وضحكنا وتساءلنا ما الذي يمكن أن نراه بالخريف، وكنا نحمل بأذهاننا المعنى التقليدي لفصل الخريف الذي يسبق الشتاء بمناطقنا، وهو جو مقيت تتساقط فيها أوراق الشجر و تجف الأرض استعداداً لغيث الله سبحانه وتعالى. وتُستعمل كلمة الخريف بالشعر والأدب النثري بعدة معانٍ تُجمع كلها على نهاية الأشياء أو قرب نهايتها، لذلك هي ترتبط بالبؤس والشقاء.

عندما استيقظنا صباح الثامن من شهر سبتمبر بصلالة للتوجه إلى الكلية خرجنا إلى الشارع لنجد الأمطار وبقايا لسعة برد نسيها الليل في شوارع صلالة، وعندما اندهشنا قال لنا مرافقنا انه الخريف، فزاد استغرابنا طبعاً وقلنا ما هذا الخريف الممطر. وبما أننا كنا بشهر سبتمر ودخلنا على شهر أكتوبر قل استعمال كلمة الخريف وانشغلنا بالتدريس إلى ان اقترب شهر يونيو واقترب موعد السفر وهنا تكثر الأسئلة حول "هل انتم مسافرون للأردن أم باقون".  هذه السنة ولاعتبارات مالية صرف قررنا البقاء في صلالة وعدم السفر، وأصبحنا نفصح عن عدم السفر لمن يسأل، وهنا بدأت أسطوانة الخريف مرة أخرى.  لقد ازداد شوقنا لنتعرف على هذا الخريف الممطر!! سافر الرفاق من صلالة بشهر يونيو و بقينا لوحدنا و أذكر اننا كنا الوحيدين بالعمارة التي تتكون من خمسة طوابق. وبدأنا رحلتنا مع الخريف.

 

شاءت إرادة المولى جل وعلا أن يبدأ هذا الخريف مبكرا كما يقولون أي قبل الموعد المعروف عندهم، وبدأ بداية طيبة؛ إذا اختفت الشمس وبدأت الأمطار الخفيفة وإن كانت أقل رقة بالجبل.  هذه الأيام لمن يعيشها بحقها أيام متعة فعلا، فكانت أيام سهر بالليل ونوم بالنهار.  كنت أتجول يوميا بالسيارة الحمراء من شمال صلالة إلى جنوبها و شرقها إلى غربها بساعة واحدة فقط، أصبحت عادة عندنا أن نتجول هذا التجوال اليومي. 

لقد كانت معظم رحلاتنا إلى ما يُعرف هنا بالجبل و إن كنت أخشى الصعود هناك لارتفاعه وخطورة الطريق في ذلك الوقت؛ و مع ذلك ذهبت إليه مرات قليلة لأنني كنت لا أحبذ الذهاب هناك، لهذا كنت اقتصر الرحلة على منطقة إتّين. فما هي إتّين. 

 إتّين منطقة مفتوحة بين المدينة والجبل تكثر فيها التلال الصغيرة على شكل القباب، ولكونها تقع بين الساحل و الجبل فتعتبر منطقة تنزه رائعة من حيث هواؤها العليل على مختلف أوقات السنة وخاصة ليلاً, ولكنها بالخريف تعتبر من المناطق الرئيسة للتنزه لأنها مسقط الأمطار الخفيفة (الرذاذ) بخلاف الجبل الذي يكون مسقطا للأمطار الغزيرة هناك.   لهذا تجد السهرات تحت هذا الرذاذ إلى أوقات الصباح.

كانت الرحلات تنظم مع من بقي من الأصحاب ولم يسافر إلى الأردن وأذكر منهم بشكل محدد الأستاذ زكي النمرات من صما و تبعه بالسنوات اللاحقة صهره حيث كنا نخرج سويا، كذلك كان هناك الأستاذ على الزغول من عجلون و الأستاذ أبو حسان من الأشرفية.  وكثيراً ما كنا نخرج بهذه الرحلات سويا لنشوي اللحم بالجبل أو إتّين أو أرزات أو المغسيل التي جاء ذكرها بالجزء الخاص بالأماكن السياحية.

و بما أن الأفكار ساقتنا إلى الحديث عن اللحوم أيام زمان فمن المفيد التذكر أن كيلو اللحم الصومالي أو الاسترالي كان بريال عماني فقط، ولهذا يسهل تصور كميات اللحم التي كانت تُستهلك في تلك الفترة.  وكذلك تعرفنا على لحم الحوار (صغير الجمل) وأصبحنا نتبادل  الأحاديث حول موضوع اللحوم أثناء عمليات شوي اللحم (الهش و النش) التي لا أتقنها للأسف لهذه اللحظة. 

و من طرائف الأكل وما شابه ذلك أننا كنا نبذل جهدا للحصول على البقدونس أو الكزبرة في تلك الأيام وكانت غير معروفة تماماً.  وأذكر كذلك أن عقلية أحد الأصحاب قد تفتقت عن استعمال ورق الفجل لفرمه مع اللحمة لغايات الكباب.  وكثيراً ما كان الهنود ( وهي العمالة السائدة في تلك الفترة) لا يقبلون بفرم أي شيء مع اللحوم، وبعد إقناع أحدهم بفرمها بعد أن يلوي شفته تعجباً من هذا العالم (نحن) الذي يفرم الأوراق والبصل و البقدونس مع اللحم، وكان يفرمها على طريقة واحدة وهي الأوراق و البصل أولا ثم اللحم حتى لا تبقى الروائح في الماكينة.  هذه الأيام تغير كل شيء بعد النهضة التجارية الكبيرة ودخول عمالة أخرى غير الهندية ونتيجة اطلاعهم على ما يجري بأنحاء أخرى من العالم فأيقنوا أن هناك عالماً آخر وشعوبا أخرى تفرم البقدونس مع اللحمة؛ فهذه الأيام يتوفر البقدونس والبصل ليفرم مع اللحم بدون لوي الشفاه.


و بما أن الشيء بالشيء يُذكر أيضاً لا بد من التنويه كذلك باستحالة الحصول على الكوسا الصغير للحشي مع اللحمة، وعندما نسأل عن الكوسا نُعطي الكوسا الكبير جدا، فالحجم عندهم لا يفرق لأنهم يستعملونه بما يعرفونه هنا بالصالونه و هي المرق، و الحديث ما يزال عن أوائل التسعينيات.

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

الفصل الخامس صلالة بين الأمس واليوم

الفصل الخامس

صلالة بين الأمس و اليوم

تطورت صلالة تطوراً كبيراً بين الأمس واليوم وأقصد بالأمس عام 1990 عندما دخلتها لأول مرة وهذه الأيام عام 2011.  فقد فرض عليها موقعها أن تتطور، فهي الواجهة الرئيسة لمحافظة ظفار وكما أسلفت سابقا فإنها تُعتبر العاصمة الثانية للسلطنة.  والتطور في سلطنة عمان لمن يعرفها لا يحدث بين يوم وليلة ولكنه تطور تدريجي يحسب لكل خطوة حسابها.

تقوم على إدارة محافظة ظفار إدارياً ما كان يُعرف بالتسعينات  مكتب "وزير الدولة ووالي ظفار محافظ ظفار لاحقاً" وتتبعه العديد من الدوائر التي تدير أمور المحافظة المترامية الأطراف، أما من الناحية الفنية و العملية فتديرها بلدية ظفار التي تعتبر الذراع الفني للمكتب في تلك الفترة، وأذكر أن منصب رئيس البلدية كان بالتعيين في تلك الفترة وقد تحول حديثا ليكون مجلسا بلدياً يتم بالانتخاب باستثناء الرئيس هذا العام 2011.   وعندما جئت للسلطنة كان الفاضل عبد الله عقيل أل إبراهيم رئيس لبلدية ظفار و من ثم جاء بعده المهندس العمري، ليخلفه بعد ذلك الشيخ الجليل سالم عوفيت الشنفري.

لم أشهد تطوراً كثيراً على المستوى الخدماتي في صلالة خلال فترة وجودي الأولى في صلالة فما رأيت من شوارع فيها بقيت على حالها حتى عدت إليها في عام 1997. وأذكر أننا مررنا بتجربة مريرة  (1993) عندما ذهبنا للسلام على الدكتور خلف هاجم التل عندما جاء عميداً للكلية الفنية الصناعية في بيته بالسعادة، فقد كانت الشوارع غير معبدة هناك، وعند السير فيها بالليل تكون كمن يعوم ببحر أو يسير بالصحراء على غير هدى بالنسبة للقادم الجديد إلى صلالة، أما أهل المنطقة فيحفظونها عن ظهر قلب.  وكذلك الحال بالنسبة لمنطقة عوقد الجديدة.  لكن هذا الواقع تغير و تعبدت الطرق و أصبحت هذه المناطق من أروع المناطق لمن يرغب بالهدوء.

وفي عام  2006 كانت بلدية ظفار على موعد مع سعادة الشيخ سالم بن عوفيت الشنفري المحترم، الذي قاد التطور في صلالة بحركة غير تقليدية فلمس المواطنون أثر ذلك في كل شارع من شوارع صلالة، فعُبدت الطرق وفتحت الشوارع الجديدة و لم تبق دخلة (داعوس) في صلالة إلا دخلتها آليات البلدية.  وشهدت تطوراً كبيراً في مجال النظافة بالمدينة كذلك.  وقد تم تغيير معظم أعمدة الإنارة بالشوارع، وتم إنشاء ممرات الرياضة إلى جانب الشوارع الرئيسة لممارسة رياضة المشي مع تزويدها بالأجهزة الرياضية لممارسة التمارين الرياضية، ولا ننسى كذلك ازدياد المساحات الخضراء بالشوارع، والاهتمام بمداخل المدينة.  وما يزال العمل مستمرا لفتح المزيد من الشوارع.

كذلك حدث تطور كبير بالنسبة لأماكن التسوق؛ فباستثناء سوبر ماركت الاستقرار بفروعه وحمدان الذي اختفى ايضاً بعد كتابة هذه السطور لم يبقَ من الأماكن القديمة للتسوق فقد تغير نشاط معظم الأماكن وتحولت إلى أنشطة أخرى.  لقد اختفت أسواق نورة و صلالة للتبريد والحديقة و ديراج وربما هناك من الأسواق الفرعية التي لم أعرفها.  لقد كان لسوق الاستقرار أكثر من فرع وكان هو المتحكم الوحيد بالتسوق وكان الفرع الرئيس بمنطقة نمرة خمسة بالقوف، ورغم توفر كل شيء تقريباً فيه إلا أنه كانت تغلب عليه الصفة الشعبية، وهذا ما جعله مستمراً ذلك لأن البلدة لم تكن مستعدة إلى نقلة كبيرة بموضوع التجارة؛ لكنه بقي على حاله و لم يتطور إلا متـأخراً، حيث تم إنشاء ما يعرف الآن بالاستقرار هايبر ماركت.

بالمقابل هناك سوق حمدان التجاري التابع لمجمع حمدان على طريق أتين.  ويتكون مجمع حمدان بالإضافة إلى شركاته الكبرى الأخرى من فندق  تم ضمه بالآونة الأخير إلى سلسلة هاملتون. وقد تم حجز الطابقين الأوليين منه لتكون كما يلي: الطابق الأرضي ويتكون من السوبر ماركت ومحلات الأقمشة والملابس ثم أدوات البناء، أما الطابق الأول فكان يؤجر كمكاتب لبعض الشركات  ومحلات خياطة للملابس الرجالية و النسائية ومحلات الحلاقة ومحل لبيع الأدوات التراثية العمانية.  أما الطوابق الأخرى فخصصت كفندق.

 في عام 1991 حضر إلى صلالة شخص أردني يدعى إبراهيم  مقدادي (أبو أحمد) من حاتم بالأردن ليعمل بسوق حمدان كمدير مبيعات.  ولكونه يحرص أن يكون ناجحاً فقد بدأ باستشارة الأردنيين حول نوعية البضائع التي تروق للمغتربين ليحضر منها للبيع، فأشار عليه الإخوة بأن يسترخص لأن الوافدين يحبون الأشياء الرخيصة ليحملوها هدايا.  وفعلا أحضر الرجل من بلاد التجارة ما خف حمله ورخص ثمنه ، وأصبح هذا القسم محجاً للمغتربين للشراء، وبهذا يكون قد خرج عن الخط الذي تسير عليه المجموعة وإن حقق الأرباح،  حيث كنتُ أسمع عن الشيخ حمد حمود الغافري أنه يريد لمجمع حمدان أن يكون مجمع النخبة ولا تهمه كثرة الرواد.  لهذا لم يستمر نهج الأخ أبو احمد التجاري و تغير من قسم كبير إلى مجرد محل صغير بالمجمع ثم اختفى ليصبح النشاط تابعا لسوبر ماركت حمدان.

  لقد بدأ هذا السوبر ماركت  كبيراً ورائعا ومتطوراً وربما سبق زمانه كسوبر ماركت، ولم يساعده موقعه في تلك الفترة حيث كانت تعتبر منطقته من  المناطق البعيدة عن صلالة.  وكان التسوق عندي متعة في حمدان حيث كنت أذهب إليه للتسوق وقضاء الوقت لأن التسوق هناك لم يكن مجرد كيس تأخذه تحت إبطك وتحاسب نصف ريال و تخرج.  لقد كنا نأخذ العربة ونتجول في أقسامه  فقط كان يحوي الكثير من المواد الرفيعة، لأنه كما أسلفت فهو للنخبة فقط وأذكر أنني تفاجأت عندما وجدت ضمن معروضاته سخان قهوة ب (91) ريال عماني فقد كان هذا مبلغا كبيراً (مهولاً) بالنسبة لسخان قهوة أي ما يعادل 170 دينار أردني، وبالمناسبة فقد وجدت نفس السخان وبنفس المكان من الرف عام 1997 عندما عدت للمرة الثانية إلى صلالة، ولا أدري إن كان تم بيعه بالتصفية أم لا.

للأسف لم يُكتب لهذا السوبر ماركت النجاح الكبير و لولا أنه يعتمد على الميزانية الكبرى لشركات الشيخ حمد لأقفلت أبوابه منذ زمن بعيد، فوجوده ضروري لقاطني الفندق والفلل السكينة التابعة لمجمع حمدان خلف الفندق.

النقلة الكبرى كانت بافتتاح مركز اللولو بمنطقة القوف نمرة خمسة بعد عام 2004 حيث كان مركزاً شاملاً متطوراً جذب إليه الزبائن من كافة أنحاء صلالة.  تبعه العديد من المراكز وخاصة الاستقرار هايبر ماركت، وكذلك بعض المراكز العالمية ذات الشهرة، فافتتح مركز السنتر بوينت للملابس وافتتح ماكس وهذا العام 2011 تم افتتاح اللولو هايبر ماركت حيث أكتب هذه الكلمات فيه الآن لأنه شامل لكل شيء بما فيها أماكن الترفيه للأطفال والعائلات لهذا تراه مزدحماً أيام العطل الرسمية ونهاية الأسبوع.

من المفارقات المضحكة بقصة المولات والمراكز التجارية هذه القصة الطريفة.  في يوم من الأيام جاءتنا رسالة على تلفوناتنا  في عام 2007 على ما أظن وبعد افتتاح اللولو الأول تبشرنا هذه الرسالة بافتتاح صلالة مول في منطقة عوقد، فذهلنا وقلنا ما هذه النقلة الكبيرة في صلالة نقفز من مركز اللولو إلى المولات دفعة واحدة " الله عليكي يا صلالة"، و جمعت العائلة (وربما فعل الكثيرون مثلي) وذهبنا إلى منطقة عوقد  لنرى المول.  واذكر أن زوجتي قالت مول في عوقد!! وهي تقصد أن عوقد بعيدة عن صلالة، فوضحت لها (كعارف بأمور التجارة، يعني خبير) أن هناك نمط من المراكز تفتح  عادة بعيداً عن المدينة مستفيدة من قلة إيجارات المحلات، ولهذا تكون أسعارها منخفضة وكنت أقصد ما يعرف بالانجليزية (outlet).  وقد أعيانا البحث في عوقد عن صلالة مول حيث كنا نبحث عن العمارات الكبيرة علها تكون مضاءة لتعلن الافتتاح، وعندما خرجنا من عوقد ولم نجد شيئا من هذا شعرنا بخيبة الأمل ، ولكنني جددت البحث مرة أخرى ولجأنا للسؤال وأصبحنا ننتقل من شارع إلى شارع صغير و من شارع صغير إلى أصغر إلى أن وصلنا صلالة مول  فوجدناه  وشعرنا بالإحباط لأنه كان سوبر ماركت متواضع .  لم أدخل (المول) ولكن العائلة دخلته و رجعت لي بعلبة بيبسي و بعض الذكريات عن هذا المول الكبير!!

هناك مجالات أخرى للتطور بصلالة مثل أماكن الترفيه و التسلية والمقاهي التي أخذت شكلا جديداً بعد إضافة  الشيشة إلى خدماتها وسيأتي الحديث عنها عندما نتحدث عن الخريف أو الأماكن السياحية في صلالة.




























الاثنين، 3 أكتوبر 2016

الفصل الرابع

الفصل الرابع

الشعب العماني

أما عن الشعب العماني فمن البديهي القول أنه شعب عريق ذو حضارة زاهرة وتاريخ مجيد.  لقد كان أول ما لفت انتباهي عندما تجولت بالكلية المتوسط للمعلمين بصلالة خارطة قديمة مرسومة بيد الطلبة (ربما لاستعمالها كوسيلة تعليمية) على باب المكتبة القديمة قبل التحديث؛ وتُبَين هذه الخارطة حدود الدولة العمانية بما كان يُعرف بالدولة البوسعيدية وهي حقبة مهمة من التاريخ العماني، و تظهر الخارطة حدود عمان بتلك الفترة حيث وجدتها تمتد من بلوشستان بالباكستان إلى زنجبار بأفريقيا.  وعندما تعرفت أكثر على تاريخ هذا البلد العريق بالمناهج الدراسية التي أطلعت عليها بحكم متابعاتي لأبنائي بالمدرسة أيقنت أنني فعلا في بلد عريق وعريق جداً. لهذا تجد المزيج من الحضارات و الأطياف من الشعب و لكنهم جميعاً عمانيون. يفتخرون كلهم  بتاريخهم التليد ويباهون به الدنيا.


اللباس العماني

يتكون اللباس العماني الرسمي الذي يلتزم العمانيون بدوامهم من الدشداشة العمانية البيضاء والتي تختلف عن باقي أشكال الدشداشة الخليجية، حيث لا ياقة ظاهرة لها عند الرقبة، إنما هي فتحة دائرية يتم إغلاقها بزر ويتدلى منها (شربوشة) يحرصون على تعطيرها دائماً خاصة عند الشباب والشيوخ، كذلك لا جيب على الصدر وليست ضيقة على الجوانب وهي فضفاضة بجيبين كبيرتين على الجوانب للمحفظة و المفاتيح ولهم فيها مآرب أخرى. ويضعون على رؤوسهم ما يعرف عندهم بالمَصَرْ العماني وهو ذو ألوان وأنواع مختلفة النوعية والثمن ويربطونه كالعمامة فوق رؤوسهم بطريقة رائعة ومختلفة طبعاً فمنها الرسمية و الشبابية.  أما في حالة الطلاب بالمدارس أو بعد الدوام فيلبسون الكُمّة و هي كالطاقية، و هي أيضا بأشكال مختلفة.

وينتعلون النعال (كالشبشب أجلكم الله ولكنه من الجلد)، ولا يلبسون الحذاء أبداً، إلا إذا سافروا بمهمة رسمية ولبسوا اللباس الإفرنجي فيكون التغيير.  هنا لا بد من ذكر الطرفة التالية حول هذا الموضوع: ذات يوم وفي بداية الفصل الدراسي دخل عندي طالب متأخراً عن موعد المحاضرة، وبدأ بالاعتذار عن التأخير وكان الشائع عني أنني لا أحبذ الدخول للمتأخرين؛ فما كان مني إلا أن تقدمت منه وصافحته بحرارة، وقلت له يا ابني أنت لا تثريب عليك ويمكنك أن تتأخر كل يوم فازداد خجل الطالب وحرجه ظناً منه أنني أوبخه ولكن بطريقة غير مباشرة، فازداد حرجاً؛ فأوضحتُ له " يا ابني أنت يمكن اعتبارك من المجددين على اللباس العماني، وقبل أن يأخذ الجميع الدهشة سارعت بالتوضيح أكثر أنه أول شخص أقابله يلبس الحذاء (الكندرة) على الدشداشة العمانية.  فأدرك الطالب أنني أشير أن لباسه غير كامل حسب القوانين؛ هنا أوضح الطالب أنه كان يعيش بالكويت عند أقارب له، وحضر قبل الدوام بيوم ولم يستطع تجهيز الملابس فاستعار دشداشة عمانية من أهل بيته ونسي أن يلبس النعال لأن أخوتنا بالكويت يلبسون الحذاء مع الدشداشة.  طبعا كان الطالب من المتميزين الناضجين علمياً و فكرياً وأظنه كان أول طالب أدرِّسه يحصل على درجة فوق ال 90  بالمستوى الرابع (ADVANCED) بالمرحلة التأسيسية.   

أما اللباس الداخلي فيتكون من قطعتين العلوية الفانلة وهي من القطن ونصف كم فلا يلبسون الشبّاح كما شاهدت؛ أما القطعة السفلى فهي ما يُعرف عندهم بالوزار وهو أيضا من القطن أو مواد أخرى يلفونه حول وسطهم بطريقة فنية احترافية لا تؤدي إلى سقوطه.  و على ما أظن أن هذا حال كل الدول الساحلية بلبس الوزار.  و للأمانة فقد حاولت تقليدهم بذلك إلا أنني فشلت تماماً.

هناك أيضا لباس الأفراح والأعراس وهذا سأتحدث عنه بفصل العرس الظفاري لاحقاً.


الثلاثاء، 27 سبتمبر 2016

غرب صلالة

الاتجاه غرباً

أما إذا اخترنا الرجوع لصلالة والتوجه غرباً فإننا نكون باتجاه المغسيل وريسوت، وهنا علينا أن نخرج من صلالة عن طريق دوار عوقد وأول ما نراه على يسارنا البحر، حيث أنه قريب جداً لهذا الطريق ثم نتابع السير لنتوقف على اليسار أيضاً عند ما كان يدعى  مطعم المحيط و حاليا هو فندق الهلتون.
 
و لهذه المنطقة من الذكريات الكثير، فقد كانت أول رحلاتي منفرداً بالسيارة الحمراء إلى تلك المنطقة بصحبة العائلة الصغيرة بتلك الفترة، حيث كان الوقت عصراً.  حاولت التقدم بالسيارة جهة الشاطئ فغاصت عجلاتها بالرمل وقد كان هذا يكفي لتعكير المزاج العام للرحلة طبعاً وكنا كما يقول المثل (أول غزواته كسر عصاته) وانشغل فكرنا بكيفية الخروج من تلك المنطقة التي لا يحضر لها الناس كثيراً في ذلك الوقت، فقد كانت الناس تحضر بنهاية الأسبوع فقط وبشكل قليل في تلك المنطقة.  حاولت عدة مرات الخروج فأصبحت اغوص أكثر بالرمل وأوشكت عجلات السيارات على الاختفاء.  هنا نزلت فرأيت في أعين الزوجة والأولاد (رغم صغرهم) سؤالاً ( إذا كنت بعدك بتتعلم سواقة لماذا أحضرتنا إلى هنا) فانفقسنا (تعبير أردني)، طبعاً لم نكن نعرف سيارات الدفع الرباعي بعد.   ولكن و كما يقول الشاعر :

ضاقت فلما اشتدت حلقاتها             فرجت و كنت أظنها لا تفرج

فجأة رآنا شاب عماني كان يقف بالمقابل ويبدو أنه كان جاهزاً لحضور عرس لأن دشداشتة كانت في غاية الأناقة وتفوح منه رائحة العطر.  تحرك هذا الشاب بسيارته وتقدم منا وقال ضاحكا " أيش اللي صاير" وبدلاً من أن يلومنا على الدخول لهذه المنطقة كما يحصل بالعادة أو يقدم النصيحة كما كان متوقعاً، وجدته و قد جثا على ركبتيه بعد رفع الدشداشة قليلاً وأصبح يجرف الرمل بيديه وأنا أتفرج ببداية الأمر لجهلي بجدوى ما يفعل لأنني لم أكن أتوقع  أن تسفر هذه الجهود عن شيئ، وبعد أن بانت إطارات السيارة قال لي إركب وارجع للخلف ببطىء و أنا (أدفك) أي ادفعك.  طلبتُ من زوجتي تسوق ودفعنا المركبة للخلف إلى أن خرجنا.  هذا الشاب لم أره من قبل ولا بعد هذه الحادثة ولا أعرف لأي القبائل ينتمي لغاية هذه اللحظة.  وبهذه المناسبة لا بد من الإشارة إلى أن الشباب الظفاري هو غاية في المساعدة إن وجد إنسانا تقطعت به السبل.  وقد حدث في عام 1997 أن نفذ مني البترول بعد منتصف الليل ولا توجد محطة قريبة، فجعلتُ المدام خلف المقود أيضاً ودفعتها أنا وابني محمد الذي كان في الصف السادس بتلك الفترة، وبينما نحن بهذا الأمر إلا وتوقفت جانبي سيارة بها أربع شباب دفعوا إليَّ بقارورة ماء مملؤة بنزين وقالوا هذه تكفيك للمحطة القادمة واختفوا دون أن ياخذوا ثمنها أو ينتظروا كلمة شكر. فبارك الله بهم جميعاً.

ميناء ريسوت

وإذا استمرينا  غرباً فإننا نتوقف عند ميناء ريسوت الذي كانت تؤمه العائلات أيام العطل  للتنزه على الشاطيء هناك.  وكان هذا الأمر متيسراً لأن الميناء كان عبارة عن ميناء صيد صغير قبل أن يتحول بداية القرن الحادي والعشرين إلى ميناء شحن كبير.  فقد كانت مياهه صافية ويسهل على الأولاد اللعب بالماء هناك، لكن البحر لا تؤمن جوانبه إذا لم يكن أحد الأهل يتقن السباحة.   ولهذا قصة طريفة حدثت معنا.

ذات يوم توجهنا إلى ميناء ريسوت وجلسنا على الشاطئ قريباً من القوارب وتصادف وجود أحد الصيادين الذي كان مشغولا بفكفة خيوط شبكته.  وبينما كان محمد يسير بالماء على قدميه ويتصنع السباحة لأنه لم يكن يتقنها بعد، رأيناه يصعد ويهبط وهو يقول الحقوني وينادي وتقدمت جهته فجأة وأنا البس دشداشتي فوجدتي مثقلاً بعد أن تبللت بالماء ولم أستطع التقدم بعد وأصبحتُ شبه مشلول الحركة عديم الحيلة إذ كنتُ أرى ابني يغرق أمامي.  فجأة تذكرتُ الشخص الذي يصلح شبكته و ناديته (الحق الولد خيو، بلهجتنا الأردنية) فما كان منه الا ان قفز بالماء و بلمح البصر كان يمسسك بمحمد و يخرجه بأمان إلى الشاطىء، فالشاطىء وإن بدا آمنا ساكنا إلا أن الرمال متحركة تحت القدمين وإذا تحركت الرمال مُشَكِّلةً حفرة تحت قدميك لا تدري عمقها وأنت بالماء يختل توزانك وربما تغرق بشبر ماي كما يقولون إذا لم تكن تعرف السباحة.

 كان هذا درساً لي لأسعى في تعليم أبنائي السباحة لاحقا حيث تعلموا جميعا على يد شخص ساقته الصدفة البحتة لنا.  ذات يوم، أخبرني صديق مغربي أن هناك عرض للاشتراك في بركة فندق حمدان للسباحة فرحبتُ بالفكرة رغبة مني في تعليمهم السباحة.  تفاجأت أن البركة لا منقذ ولا مدرب فيها وقالوا بأن السباحة على مسئولية الشخص نفسه، فقلت في نفسي لعلمهم يتعلمون ذاتياً ومن هذا المغربي الذي قال أنه يعرف السباحة.  بعد فترة من الزمن عرفت أن هذا المغربي لم يكن جاداً بالمسبح ولكنه استمر بإرسال بناته إلى المسبح وكانوا من سن بناتي.  بنفس الفترة حضر شخص تبين لاحقا أنه سبَّاح محترف ومهني ومعه أولاده الصغار.   كان هذا الرجل بطبعه اجتماعياً يحب التعرف بالناس ويتحدث مختلف اللهجات، فالتف الأولاد والبنات بالبركة حوله، ولأني صاحب حاجة سعيت للتعرف عليه وطلبت منه أن يعلم محمد (ثالث اعدادي، وسمو صف سادس وجمانا صف ثاني) وبعد أقل من ساعة أو ساعتين وجدت أولادي يشقون البركة من طرفها إلى طرفها سباحة مهنية دون (مخابطة بالماء) ولا يمكن وصف شعوري بهذه اللحظة، إذ شعرت أنني انجزت شيئاً كبيراً ومُهِمَاً لهم.   هذا الشخص اسمه أحمد العامري وهو طيب من بيت طيب يحمل درجة الماجستير في الإدارة من بريطانيا.  وبالمناسبة فقد غادَرنا إلى بريطانيا بعد تعليم  الأولاد، و كأن الله ساقه لهذه المهمة فقط.

نعود إلى ريسوت لأقول أنها أصبحت الآن ميناء كبيراً ترتادها السفن من ذوات الأحجام الكبيرة وهو في تطور مستمر,  و إذا قررنا تجاوز ريسوت لنستمر غرباً فإننا نسير مسافة 20 كم بعدها لنصل إلى المغسيل، هذا الساحل الرملي النظيف الرائع، نصله لنرتاح تحت المظلات التي أعدتها البلدية لهذه الغاية.  ترتاده العائلات كمتنفس للأطفال والكبار ويأخذون غدائهم معهم لعدم وجود المطاعم قديماَ، وقلتها حالياَ ويعودون بالمساء منهكين مسرورين بهذه الرحلة.  وتمتاز هذه المنطقة بصفاء بحرها إذ يخلو من الأمواج العنيفة باستثناء فصل الخريف الذي يكون فيها البحر هائجاً.  وعلى العموم لا ينصح بالسباحة هناك حتى بغير الخريف كما حدثتكم عن ريسوت و السبب أنها كلها رمال قد تتحرك تحت قدميك.

وعندما تُذكر  المغسيل بالخريف لا بد من التعريج على أهم معالم المغسيل وهي النوافير الطبيعية، وهي عبارة عن فتحات بالصخور المحيطة بالبحر، وهذه الفتحات ناتجة عن عوامل جوية ولا دخل للإنسان بها وتتصل مباشر بالبحر، لهذا تجد البحر يمتد تحت هذه الصخور ويضرب فيها بعنف وكلما اشتد عنف الموج انطلق الماء من تلك الفتحات على شكل نافورة  ترتفع بالسماء حسب قوة الموج تحت هذه الصخور. وربما تكون على شكل هواء قوي.  وسواء كانت نافورة ماء أو هواء فهي تشكل متعة للزائر لتلك المنطقة.

كذلك تمتاز هذه المنطقة وبعض المناطق الساحلية بان بعض صخورها تطل على البحر مباشرة دون شاطئ وتكون مرتفعة فيرتادها هواة صيد السمك من الوافدين، وقد حدثت بعض الحوادث المؤلمة التي راح ضحيتها بعض الأخوة من الجنسيات العربية أو الأجنبية نتيجة سقوطهم عن تلك الصخور.  ومن المؤسف أن هذه المناطق لا يمكن فيها التدخل البشري حتى لو كان الشخص يعرف السباحة لعمقها أولا ولأن الموج قوي ولا يدع فرصة للسباح أن يمارس  قدرته بالسباحة فيضربه بالصخور بقوة تفقده وعيه وحياته لاحقاً.

تم افتتاح مطعم في شاطئ المغسيل وقد أكلنا فيه أكثر من وجبة سمك هناك ولكنه أغلق لبُعده و أهمل الشاطئ ولم يعد كما كان عندما زرته بعد فترة ذات عيد.  فقد عزمت العائلة على نزهة على شاطئ المغسيل ورفضت أن تجهيز أي نوع من الطعام لأننا سنأكل في المطعم. للأسف وصلنا المغسيل فلم نجده كما تركناه، عندها أصبحنا نبحث عن شيء نأكله فما وجدنا إلا كافتيريا صغيرة لا تتمتع بمنظر للمطاعم، فطلبتُ للعائلة بعض الساندويتشات بعد أن طلبت المدام أكبر كميه من الفلفل عليها لأن الفلفل يقتل أي جراثيم ربما تتواجد بالساندويتش.  وعلى مبدأ الطيارين و من باب السلامة العامة لم أتناول أي طعام حتى نضمن عدم حدوث مضاعفات قد تنتج عن تسمم مثلا.  

زرتها قبل سنة تقريبا فوجدت فيها تطوراً كبيراً، ولا أدري كم سيستمر هذا التطور و هل ستقفل الاستراحات هناك أم تستمر.

وأخيراً وكما أخبرتكم سابقا فربما تكون هناك من المناطق ما هو أجمل من تلك التي زرتها ولكني للأسف لم أتمكن من زياراتها لأسباب أهمها عدم توفر وسيلة النقل القوية ذات الدفع الرباعي في بداية حياتنا العملية بصلالة وعندما توفرت السيارة لاحقا بفضل الله لم تعد النفس ترغب بالرحلات و التجول.  كذلك لم تنظم رحلات للكليات التي عملت بها لهذه المناطق باستثناء رحلة يتيمة عام 1993 إلى شاطئ  لطلاب السكن الداخلي بالكلية المتوسطة للمعلمين مع فريق الكشافة وقد أعطينا حافلة لتقلنا إلى هناك لوعورة الطريق و لكن أثيرت نقطة من قبل مساعد المدير للشؤون المالية بأن الكلية تغطي نفقات الأكل للطلاب وليس للمدرسين مما كان له أثر سلبي عند المحاضرين الذاهبين وفكر بعضهم بالعودة لأنه أشعرهم بأنهم يتطفلون على طعام الطلاب؛ لكن وكما يقول أخواننا المدرسين فقد (كبّر المدرسون دماغهم) وتجاهلوا ملاحظة المساعد، و تمت الرحلة على خير.


الخميس، 22 سبتمبر 2016

تكملة

جنوب صلالة

أما إذا يممنا و جهنا شطر الجنوب فإننا نكون قاصدين البحر الذي يحد صلالة جنوباً. فنذهب الى كورنيش صلالة و الدهاريز.  و أذكر أن هذا الكورنيش كان من أوائل الأمكنة التي أخذنا اليها الأستاذ جميل.   ويقع كورنيش صلالة بمنطقة تسمى الحافة و يقع فيها قصر صاحب الجلالة السلطان قابوس و يعرف بقصر الحصن.   وقد كان هذا الكورنيش يبعد عن مكان سكننا الأول حوالي كيلومتر واحد فقط ولكننا رأيناه كيلومترات كثيرة لأننا لم نكن نملك السيارة.   ولهذا قلت لصديقي الدكتور احمد ذات يوم عندما انشغل عنا الأستاذ جميل المناصرة : ما رأيك بأن نذهب للبحر فقال (يا زلمة شو بده يوصلنا للبحر)، و اخيراً وافق ومشينا له سيراً على الأقدام و إذا به " مقرط العصا" كما يقول البدوي. 

في عام 1990 كان هذا شاطئاً مظلماً و تشكل الظلمة بالإضافة إلى صوت الأمواج المتلاطمة مصدر رعب لمن كان يجلس هناك إلا إذا كان بصحبة آخرين.   أما إذا كان الليل مقمراً والبدر مكتملاً فلا أظن أن هناك ما هو أروع من هذا المنظر.  كذلك لم يكن هذا الشاطئ معموراً إلا من بعض البيوت التي تقفل عليها بابها هرباً من الرطوبة العالية في فصل الخريف.  وبقي على هذا الحال فترة من الزمن طويلة إلا أن بدأ التطور في صلالة سياحيا كما أخبرتكم سابقا فتطور كل شيء، فأصبح الشاطئ معموراً بالمقاهي والمطاعم ( مطاعم دون نجوم طبعا) وأصبح الجلوس منفرداً على هذا الكورنيش مستحيلاً لعدم وجود المكان. كذلك تمت إضاءة الكورنيش فأصبحت الجلسة فيه تختلف عن تلك التي حدثتكم عنها، فتجلس مع من تريد بأحد المقاهي تحتسي الشاي المغربي و تشيش (تأرجل) إذا كنت من هواة الشيشة وتستمتع بهذا الجو الخلاب.  وقد أسلفت الحديث عن أزالة الأنبية والمطاعم بهدف تطوير الكورنيش.  

وتحتوي منطقة الحافة بالإضافة إلى الكورنيش سوقاً تجارياً شعبياً تباع فيه التحف اليدوية بالإضافة إلى البخور و المباخر و العطور التقليدية  الظفارية.  كذلك تكثر محلات بيع الملابس الجاهزة  و أدوات التجميل ومحلات الخياطة  النسائية للأثواب العمانية التقليدية  (بو ذيل) التي تلبسها النساء وخاصة تلك التي يرصعونها بالفصوص وبعض الحلي للزينة في شارع يعرف بشارع الشروق هناك.  وقد كانت الحافة أيضاً  مكانا لشراء واستئجار أشرطة الفيديو و الكاسيتات التي تنسخ هناك وتباع بأثمان رخيصة.  هذه المحلات اختفت كلها بعد تطبيق نظام الملكية الفكرية وحقوق أصحابها، إذ كانت تعيش على نسخ هذه الأشرطة و تأجيرها.

كذلك تحتوي الحافة على العديد من المحلات التي تبيع الحلوى العمانية المشهورة بأنواعها المختلة وأخص بالذكر منها محل "بركاء" لصاحبة  عبد الله العواسي:  ويختلف هذا المحل عن غيره بأن صاحبه العماني يشرف عليه بنفسه لذلك تجد الحلوى العمانية في هذا المحل ذات طعم متميز، وهي التي كنت دائماً أحملها كهدايا للأهل والأصحاب عندما كنا نحضر للأردن بالصيف.

أما الجزء الآخر من الكورنيش و هو الموجود بالدهاريز فقد كان متواضعاً أيضاً إلا أنه كان يحوي فندق الهوليدي إن هناك. وعندما تم التطوير تم ترقية الفندق أو بيعه (لا أدري ما الذي جرى) إلا أنه أصبح يُعرف بالكروان بلازا وهو الذي نقيم به احتفالات النادي الاجتماعي الأردني بأعياد الوطن.  كذلك أقيم منتزه الدهاريز السياحي إضافة لباقي المقاهي.   لكن لا يعتبر هذا ككورنيش الحافة، بل أقل منه جودة.

الجنوب و الجنوب الغربي

أما إذا قررنا الخروج من صلالة باتجاه الغرب أو الجنوب الغربي فإنا بالحقيقة نكون متوجهين إلى مرباط البلدة التاريخية المشهورة بمينائها القديم و بعض الحصون هناك. ولكن وقبل الوصول الى مرباط نتوقف عند بعض الأماكن السياحية التي زرتها. 

عند وصول السيارة إلى ما يعرف بدوار المعمورة نسبة إلى وقوعه إلى جانب قصر المعمورة لصاحب الجلالة  ننحرف يساراً و نتابع السير إلى أن نصل إلى عين  رزات وهي عين ماء من جبال المنطقة وتسيل منها الماء بقناة تسقي الزرع و الحيوانات المنتشرة بكثرة في تلك المنطقة.
 
و قد تم إنشاء حديقة كانت رائعة بفترة التسعينيات تذهب إليها العائلات كل نهاية إسبوع يتناولون الطعام وتلعب الأطفال وتستريح من عناء الأسبوع.

و من الملاحظ أن هناك درج يقودنا الى كهف قديم بالجبل كنا نذهب اليه ونلتقط بعض  الصور و يعرف بكهف صفرار.

عين حمران

 أما إذا كنا اخترنا الرجوع إلى دوار المعمورة للذهاب إلى مرباط  فتلفت نظرنا لافتة مكتوب عليها عين حمران وهي على الطريق إلى مرباط  وتقع على بعد كليو مترات قليلة من الدوار وعلى يمين هذا الطريق.  وهي كباقي العيون  نبع ماء و قناة و مزارع.

عين أثوم

بصراحة لا أجد من الكلمات ما يصف هذه الروعة. وأعتقد أن الصورة قد تغني عن الكلمات.  أيعقل أن يكون هذا المنظر بالخليج!!

عين أثوم والصورة تغني عن الوصف




طاقة

هي اكبر من القرية  وهي أول مكان معمور  نلتقيه قبل مرباط على هذا الطريق. بلدة أثرية و لها ساحل جميل لطيف زرته أكثر من مرة  مع العائلة.

طوي عتير و شلالات دربات

عند الخروج من طاقة وباتجاه مرباط تشير لافتة الى منطقة جبلية مكتوب عليها طوي عتير وفيها ما يعرف بشلالات دربات.  هذه المنطقة تكون في أبهى حللها بالخريف حيث يغطيها الضباب تماماً كباقي المناطق الجبلية.  وتبلغ روعتها هناك بهذه الشلالات الرائعة عندما تنفجر فيها العيون وتسيل منها الماء على شكل شلالات من أعلى الجبل إلى الأسفل فتشكل منظراً  يندر أن تراه في منطقة الخليج.  وللأسف لم أتمكن من زيارة هذه المنطقة الا بعد عام ال 2000 لأن الطريق إلى تلك المناطق لم يكن معبداً، لأن السير عليه قبل ذلك كان خطرا لمن كانت مهارته بالسواقة (سكر خفيف) كما نقول.

جبل سمحان

و من يتابع السير إلى طوي عتير وبعد المدرسة سينعطف شمالاً ليأخذه الطريق إلى جبل سمحان و حفرة طيق.  أما جبل سمحان فيمكن الوصول إليه صعوداً خفيفاً لا تشعر فيه لطول المسافة إذا كنت تذهب هناك للمرة الأولى. لكن الطريق يستمر إلى تصل لآخر الجزء المعبد حيث تجد نفسك فوق السحاب. تقف هناك مأخوذاً بسحر المنظر عندما ترى كل هذه الغيوم تحتك و تنظر إليها من علٍ.

 

وهناك استمرار  للطريق صعوداً لمن يهوى المغامرة إلى أن تصل المحمية الطبيعية وهناك يجب الحذر من الحيوانات المفترسة؛ فهناك النمر العربي والضباع و الثعالب لهذا يجب الحذر إذا أردت الإقامة لفترة هناك.

حفرة طيق

لقد وصلت إلى حفرة طيق (Teeq Sinkhole) بسلوك نفس الطريق ولكن بالانعطاف شمالاً كذلك.  وجدها حفرة مهولة كبيرة عريضة عميقة يقال أنها إثر لنيزك كبير. وصلنا ووقفت على حافتها وتراجعت بعد فترة وجيزة لأن الإنزلاق فيها لا يتم استدراكة وستكون النهاية بقعر الحفرة. يقول أهل المنطقة بأن تحتها عين ماء حلوة وسمك نادر ولكني لم أتمكن من توثيق ذلك أو التأكد منه لصعوبة الوصول الى إلقاع.  سألت عن كيفية الوصول فقالوا  يلزمك أن تدور دورة كبير سيراً على الأقدام لأن المنطقة لا تسمح للسيارات بالمرور  لصعوبتها. 

هذه المنظقة مفتوحة من جانب معين وفكرت لو أن عُمان أغلقت هذه المنطقة لأصبحت بحيرة كبيرة.  لا أظن الفكرة قد غابت عن بال الجماعة طبعاً وربما كان في الأمر ما فيه  هندسيا طبعاً مما يمنع التفكير بانشاء البحيرة.

سمهرهم  و خور روري

بعد النزول من شلالات دربات نستمر بالسير إلى مرباط ونتوقف عن ما يعرف بسمهرم  وهي منطقة أثرية فيها شاطئ هادئ إضافة إلى بناء قديم يقال أنه قصر ملكة سباء قديماً و قد قرأت عنه منشوراً حول هذا الموضوع.  وقبل الوصول اليه أو كجزء من المنطقة ذاتها  يجد ما يعرف عند اهل المنطقة بخور روري وهو منطقة تدور حولها الكثير من القصص أنها ملتقى السَحَرة بالعالم كما يشاع، طبعاً هؤلاء السحرة الخياليون الذين يتنقلون بين مناطق العالم دون جواز سفر أو فيزا. وهم يتداولون قصصاً كثيرة حول هذا الموضوع ولكنها أشبه ما تكون بقصص الغولة (أيام زمان) عندنا بالتراث الأردني كلها منقولة عن أشخاص نقلوها عن أشخاص لم يسمعوا و لم يروا ذلك، ووقع كلها تحت باب " سمعت أنه ذات مرة  أو قالوا أو حدثنا أحدهم أنه سمع ....... وتكتمل القصة ولا تجد فيها ما يدخل العقل؛  لكنها تجد صدى عند بعض الناس الذي تستهويهم القصص الخيالية.

وبمناسبة السِحِر و السَحَرة فقد كان أول ما سمعت بهذا الموضوع من أبناء المناطق الشمالية بالسلطنة والذين كانوا يدرسون عندنا بالكلية، وكان حديثهم عن منطقة نزوى و هي العاصمة التاريخية للسلطة و كذلك عن منطقة بهلاء، و كانوا يروون القصص الكثيرة عن هؤلاء السحرة وأفعالهم.  وكثيراً ما كنت أمازح الطلاب بالمحاضرة في بعض المرات أن الجماعة ( وأقصد جماعة العالم الآخر) ربما يكونوا معنا بالقاعة ونحن لا نراهم  فيضحكون لأني كنت أقول ربما كانوا يتعلمون الإنجليزية كذلك، لكن كان يعقب هذا المزح بعض السكون بالصف.

هذه القصص اختفت وخاصة بين الشباب ولم تعد تسمعها إلا من الكبار بالسن كونها جزءاً من تاريخهم الذي يحبون ذكره  والتغني به دائما.  لكن لا يمنع أن يتندر بها الشباب كنوع من الطرائف، ولم يعد الأمر مخيفاً كما كان من قبل.



جربيب  مرباط

وإذا استمرينا بالسير إلى الأمام باتجاه مرباط نشهد منطقة مفتوحة تشبه جربيب أتين الذي حدثتكم عنه ببداية هذا الفصل، وهذا يعني أن كلمة جربيب ليست مكانا معيناً ولكنها صفة للمكان الفسيح الذي تحيط به الجبال ويكون متنقساً طيباً للعائلات لهوائه العليل وتكثر فيه القباب (التلال الصغيرة) دائماً.  وربما كانت تقابله كلمة السهل عندنا بالأردن.




فندق الماريوت

تشير لافتة مكتوب عليها عبارة فندق الماريوت إلى الفندق الذي يقع بحض الجبل القريب من مرباط، وهو فندق فخم من فئة الخمسة نجوم ، وبقصده السياح والمقيمون والمواطنون للتنزه والراحة، وهو فندق عالي الجودة خدمة وفاتورة كذلك، فمن يذهب هناك يجب أن لا يسأل عن الفاتورة و ارتفاع سعرها.

مرباط

ندخل مرباط فنجدها بلدة قديمة أثرية في الكثير من أبنيتها رغم وجود الكثير من الخدمات لسكان الولاية فهي مركز الولاية؛ ففيها البيوت القديمة وبقايا القلاع والحصون ، إضافة الى الميناء الشهير تاريخياً منذ القدم فهي من الموانئ التي وردت بالتاريخ كأحد موانئ عُمان التجارية مع العالم؛ هذه الأيام يعتبر ميناء صيد إضاقة للتنقل الى بعض الجزر العمانية مثل الحلانيات.