الجمعة، 23 ديسمبر 2016

الأنواء المناخية

الفصل السابع

الأنواء المناخية
 
للأسف فإن موقع السلطنة في هذه المنطقة جلب لها بعض المشاكل المناخية التي عادة ما تتأثر بها الدول التي تقع ضمن هذه المنطق المدارية، فجعلها عرضة لما يطلقون عليه الأنواء المناخية هنا وهي تتراوح في قوتها وأثرها على البيئة العمانية.  وبما أنني أكتب من واقع خبرتي هنا، ولا بد من التوضيح أنني لم أشهد مثل تلك الأنواء في فترة إعارتي الأولى للسلطنة ما بين 1990 و 1995، فلم تكن تلك العواصف القوية باستثناء أمطار الخريف في صلالة. كنا نسمع بالشمال عن أمطار الشتاء وجريان الأودية ولكنها كانت ضمن معدلها الطبيعي.

 لكن و منذ عام 2000 تقريبا (و التواريخ كلها تقريبية هنا) و لا أدري إن كان لعبث الإنسان العلمي بالطبيعة بحجة التطور أثر فيما جرى ولكن الأجواء المناخية تغيرت كما تغيرت أحوال العالم. في عام 2002 صحونا على صباح لطيف نسبيا في شهر يونيو (حزيران) و أرسلت الأولاد إلى مدارسهم وتوجهت إلى الكلية لأفاجأ بسيلان المياه بشارع 23 يوليو وعندما وصلت إلى منطقة الزاوية وجدت السير متوقفا ثم حولنا السير بمحاولات منا للوصول إلى الكلية عن طريق الشارع الرئيس المعروف بشارع الرباط وهنا وجدنا الشرطة تحول السير رجوعا إلى صلالة بعد أن غمرت المياه الشارع.  عدنا أدراجنا إلى البيت ووجدت الأولاد قد عادوا إلى مدارسهم وسمعنا بالأخبار أن الأنواء المناخية ضربت بعض مناطق ظفار و تضررت الشوارع وبعض جوانب البنية التحتية بالأماكن التي ضربتها، لم تكن الاستعدادات كافية لأن هذا الحجم لم يكن متوقعاً فهذه أول مرة تحدث فيها الأنواء مثل هذه الخسائر.

في عام 2007 تناقلت الأخبار نبأ إعصار جونو (GUNO) وتمت له الاستعدادات ولكن قوته فاقت كل توقع حيث لا تنفع الاستعدادات بتلك الفترة وضرب مناطق الشمال من السلطنة وبقي حوالي ثلاث أيام خف بعدها تدريجياً واتجه شمالا إلى إيران وباقي مناطق آسيا ولكنه كان خفيفاً هناك. لقد تأثرت المناطق الشمالية تأثراً بليغاً وخاصة مسقط العاصمة وقد قُدرت الخسائر المادية بالمليارات من الدولارات.

في عام 2010 ضرب السلطنة إعصار آخر و هو إعصار فيت (PHET) و هو أقل قوة من الإعصار السابق وهذا ما قلل من الخسائر إضافة طبعا للاستعدادات العامة بالسلطنة و وعي المواطنين الذي يتزايد يوماً بعد يوم فلم نعد نسمع عن مغامرات من قبل بعض الشباب لعبور الأودية تنهي حياتهم.

و يبدو أن الحكومة العُمانية وطدت نفسها على هذا، واعتبرت نفسها مناطق أنواء مناخية ولهذا فهي تستعد استعداداً كافياً لهذه الأنواء. و لا بد من الإشارة إلى بعض الحقائق التالية حول السلطنة عموماً في هذا الخصوص:

1)           سلطنة عمان من الدول المؤمنة حقا بقضاء الله وقدره فمهما كانت العواقب، ولهذا لم أسمع أي شكوى عمانية رسمية أو شعبية مما يجري؛ وكثيرا ما كنت أسمع عبارة أمطار الخير التي تطلق على السيول الهادرة بالمناطق.

2)           القيادة المتمثلة بشخص وقيادة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم  تبرز وقت الأزمات مما يخفف عن الشعب ما يلاقونه من مصاعب الأنواء والأعاصير. ففي الأنواء الأولى ب 2002 كان جلالته في صلالة التي تأثرت بهذه الأنواء، و في إعصار جونو اتصل بالبرنامج المباشر وتحدث بطمأنينة وثقة فلم يروع الناس وطمأنهم بأن مسقط ستعود أفضل مما كانت و بجهود العمانيين، وشدد على ضرورة الرضا بقضاء الله وابتلائه فالمؤمنون هم أكثر الناس تعرضاً للابتلاء.


3)           الدولة العمانية والشعب ازداد وعيهم يوماً بعد يوم، فعند توارد التنبؤات الجوية حول أعاصير قادمة تراهم يستعدون إعلامياً وعلى مستوى البلديات؛ وقد شاهدت هنا بظفار محطات سحب الماء من الشوارع موجودة بأماكن تجمع المياه قبل وصول الأمطار.   وعلى مستوى الأفراد لا يهرعون إلى الأسواق لتخزين المؤن. لذلك تمر الأمور بكل يسر وسهولة وبأقل الخسائر.

4)           يُشهد ويُسجل للدولة العمانية اعتمادها على نفسها ومواردها وهمة شعبها بالنهوض بمسقط بعد إعصار جونو، واعتذرت بكل أدب وعرفان للدول العربية التي هبت لمساعدة عمان. فعادت مسقط أكثر جمالا بجهود أبنائها.


 لهذا فإن سلطنة  تصلح لتكون نموذجاً يحتذى في فن إدارة الأزمات.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق