السبت، 20 مايو 2017

عبارة انتو غير

عبارة انتو غير

كانت تستعمل هذه العبارة من قبل إخواننا المعلمين بالتعليم العام كوصف لنا جماعة المحاضرين بالكلية المتوسطة للمعلمين.  ولم يكن مقصودهم المكانة الوظيفية مثلا إنما كان الهدف منها هو التفريق مالياً بين الجماعتين لأننا مُعَيّنون على الدرجات الخاصة (هـ) وراتب هذه الدرجة يعادل ضعف راتب المعلم على سلم الدرجات الأخرى، وكثيراً ما كان بعض الخبراء الماليين المتطوعين يضيفون لهذا الراتب السكن الذي كان يُستأجر بقيمة 300 ريال عماني إلى راتبنا ليرتفع الفرق إلى ثلاث أضعاف، رغم أننا لم نكن نأخذ بدل السكن هذا، بل كان يُدفع إلى صاحب الشقة أو الفيلا ( السكن بشقة أو بفيلا قسَّمنا أيضاً نحن أبناء الدرجات الخاصة كذلك إذ ساد الاعتقاد أن الفيلا للدكتور والشقة للمحاضر، رغم أن هذا لم يكن يخطر ببال إدارة الكلية، لأن المهم عندهم هو أن تُستأجر حتى يستفيد منها صاحبها والذي كانت تربطه علاقة بوثيقة بأحد موظفي التربية و التعليم؛ فالمسألة لا علاقة لها بالمؤهل).  ومن النوادر التي كنا نتعرض لها عندما يتم التعريف بنا من قبل أحد الأشخاص لقادم جديد وهو ( الأستاذ فلان بطرق 1500 ليرة مع السكن )، وكنت أضحك لهذا لأنني كنت أستغرب أن يذكر الراتب بالعملة الأردنية لبيان الكثرة.

لقد كنا نأخذ هذه العبارة على محمل (المزح) ببداية الأمر إلى أن أصبحنا نشعر أننا (غير) عندما كنا نذهب للمدارس للإشراف على طلابنا الذين يتدربون (يطبّقون) بالمدارس، إذ كثيرا ما كنا نلقى (التطنيش) من الإخوة المعلمين إلى أن تلتقي بأحدهم صدفة فيجاملك مجاملة خفيفة ثم ينصرف إلى حالة.  وعندما نلتقي بجلسة عامة يقال لمن قد يُعاتب " أيه، ليش أنت ما سألت عن الأردنيين" عندما حضرت للمدرسة؛ يعني أنني يجب أن أسأل عن المدرسين الأردنيين بالمدرسة علَّني أحظى بكاسة شاي بالاستراحة أو مما يعرف أردنيا بالفرصة؛ أستثني من ذلك أحد الأستاذة بمدرسة خالد بن الوليد الذي برر عدم اكتراثه بيّ بالمرحلة الأولى لأنه أعتقد أنني مصري.  هنا لا بد من التعريج على موقف مشرف آخر للأستاذ سليم الخطيب وكان أستاذاً للغة الإنجليزية بمدرسة صلالة الشرقية وكان غائباً ببداية حضوري، وعندما حضر ورآني ضيّفني أحلى كاسة شاي بميرمية، ويحضرني موقف آخر أسجله لمدير مدرسة خالد بن الوليد  الأستاذ أحمد المسلماني (مصري الجنسية) الذي بادرني بالسؤال " تشرب شاي؟ بعد أن رأى على وجهي الإحباط والتعب فقلت له دون تردد (يا ريت) فقال لي تفضل و(من النهار ده انت تطلب وتقول أنا عاوز شاي) ولا أذكر أنني طلبت، ولكن الذي أذكره أنه كان يضيفني الشاي كلما حضرت للمدرسة لمتابعة طلاب الكلية بمرحلة التطبيقات.  وعند انتهاء الفصل أحببت أن أكرمهم فقلت لزوجتي أن تصنع لي قالب كيك وأخذته للمدير إكراماً له. شكرني الأستاذ أحمد ونقله إلى غرفة المدرسين التي تعج بمختلف الجنسيات ولا داعي للتعليق هنا على من لهف قالب الكيك.

عبارة (انتو غير) اختفت أو ربما لم تعد تثير فينا نفس الحساسية كما كانت أولاً، فقد كنا نشعر كما لو أننا اقترفنا ذنباً كبيراً بالقبول بالدرجة الخاصة، وكثيراً ما كنا نسمع عن كلمة حظوظ متبوعة  بعبارة "هذا فلان ماجستير (معلم بالمدارس) وفلان ماجستير (معلم بالكلية) فلماذا هذا براتب وذاك بضعفه"، و الغريب أن كلمة حظوظ لم نكن نسمعها بالأردن لأن الرواتب متساوية وهذا يدل على أن المعيار هو الراتب و ليس المرحلة التي تُدّرس بها.

ولم نكن نحن ندّخر جهداً بمحاولة التكفير عن هذا الذنب الكبير، وذلك بالإكثار من الجلسات مع أصحاب الدرجات غير الخاصة والتشبه بما يفعلون، فإذا جلسوا على الشارع قلدناهم وإذا جلسوا على الحصيرة رمينا بالكراسي جانباً  أو أخفيناها حتى لا نتهم بالكبر، وأذكر أن الله قد كتب العمر من جديد لابنتي سمو وكان عمرها سنة وأشهر قليلة عندما كنا جلوساً على الشارع الرباط العام  قريباً من برج النهضة، فإذا بها تقطع الشارع من بين السيارات اللاند كروزرات إلى أن وصلت الجانب الثاني من الشارع وأنا عاجز عن اللحاق بها لزحمة السيارات، والإخوة الموجودون وضعوا الشدة جانباً بانتظار الحدث الأليم إلى أن قيَّض الله لها السلامة والحمد لله.  هذا الحدث جعلني أفكر بمحاولة التغيير بخصوص القعدة على الشارع، وقد بدأت به بعد ذلك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق