الاثنين، 27 مارس 2017

الفصل السابع : الأسماك في محافظة

الفصل السابع

الأسماك

لا يمكن طبعاً أن نذكر صلالة ولا نذكر الأسماك فيها،  وكنا قد سمعنا بها من قبل وأذكر أنني واثناء رجوعي من كلية حوارة عام 1988 على ما أظن صادفت محلاً جديداً في إربد يبيع الأسماك، وتوقفت عند صنف من الأسماك قال انه سمك عُماني، ولا أجزم إن كان سمكاً ظفارياً أم من شمال عمان.  لكن القلب تحرك تجاهه وكأنه كان يستبق الأحداث او يتنبأ بأننا سنكون يوما في صلالة. أحضرت السمكة من الحجم الكبير وكنت أشاهد المدام وهي تقوم بتجهيزها كما لو كانت خبيرة بموضوع السمك رغم أننا لم نأكل السمك قبلها الا بعلب السردين أو التونا.

عندما حضرتُ لصلالة كنت متلهفاً لمشاهدة منظر الأسماك على الطبيعة. وهنا أسجل للاستاذ جميل مناصره أنه حضر لنا وجبة سمك مقلي وهو عزابي والأهم من هذا أنه اصطحبنا الى السوق لنشتري من هناك.  وفي السوق شاهدت أكوام السمك باحجامها والوانها وأنواعها المختلفة. وكانت تباع بالعدد قبل أن تتحول حديثا إلى الكيلو. وعندما نذكر العدد نذكر البركة بكل شيء والسماحة فقد كان الباعة دائماً مبتسمين بطيبة كبيرة ولا يجادلون ولكنه يقول لمن يجادل لزيادة سمكة على البيعة (شِلها) لسماحته فلم أصدف أنهم أوقفوا بيع سلعة بالسوق من أجل مبلغ من المال إلا إذا كان المشتري من النوع البخس فهم لا يحبون من يستغفلهم.

تختار ما تريد من السمك ويقوم صاحب السمك بتنظيفها وتقطيعها بطريقتهم ثم نحملها إلى البيت. والسمك عندهم كان بتلك الفترة إما مقلياً أو صالوناً. ويمكن إضافة الرز الأبيض أو البرياني.  أما موضوع صواني السمك والتفنن بإعداده فلم يكن معروفاً كما كان الحال بالنسبة للكوسا وورق العنب الذي حدثتكم عنه سابقا.  هذه الأيام تم افتتاح العديد من المحلات بسوق السمك لتقوم بشوي الأسماك بالفرن بعد أن تشتريها، وطبعا القلي على الطريقة المصرية، فلم اشاهد داخل المطاعم مكانا لتنظيف السمك، إذ انهم يكتفون بتنظيف العمال الذي يقطعونه بالخارج.

سمك قرش

لا أدري ان كان هذا الموقف حصل لي بالزيارة الأولى مع الأستاذ جميل أو انه حصل لاحقا.  كنتُ فرحاً ومتحفزاً عند دخولي السوق وفجأة ودون أدنى مقدمات وجدتي أمام من لا يرحم لو كان حياً يرزق, وجدتني أمام اثنتين أو اثنين من سمك القرش الضخمة مضرجة بدمائها وعلى ما يظهر كانت أحضرت للتو من البحر وفي فمها بعض الخيوط مما يوحي بأنه تم اصطيادها بالطريقة التقليدية بالخطاف.  إمتقع لوني ودارت بي الدنيا (و لا أمزح) وتخيلتي وجهاً لوجه أمامه بالبحر وسألت نفسي كم من الجهد يمكن أن آخذ بيد هذه العملاق البحري لو أنني كنت بمملكته البحرية.  واستذكرت معاناة الشيخ في رواية ارنست همنغوي الشيخ والبحر وأعجبت بهذا الشيخ الذي تمكن من الإفلات من أنيابه.

كانت السمكتان بطول مترين تقريباً للواحدة، والمحيط ربما نصف متر ( و أرجو أن أكون أعطيت القياس صح، لكن إذا كان المقياس لا يشير إلى الضخامة فيكون السبب أنني لم أعرف أن أصفها).  يسيل الدم من فمها وتبرز أنيابها مما يوحي أن أصطيادها لم يكن بالأمر السهل. المهم أنني كنت وما زلت أخاف القرش حياً أو ميتاً.

ويتحدث العمانيون عن فوائد القرش العديدة، حيث تباع زعانف القرش لاستعمالها طبياً كما سمعت، أما لحم القرش فيتحدثون عن فوائده الليلة بعد أن تطفأ الأنوار حيث لا ينفع الرجل أمام زوجه إلا عمله الطيب. لهذا كان الناس يشترونه.  وذات يوم خطر ببالي أن أجرب لحمه هذا من باب العلم بالشيء يعني. طفت بالسوق ورأيت رجلاً يبيع القرس الصغير. فاشتريت منه ثلاث سمكات. وعندما بدأ بتنظيفها وفتح بطنها وجدت بببطن إحداها ثلاث سماك سردين كبيرة ضلت طريقها بالبحر فوجدت فم هذا القرش مفتوحاً فدخلت في دهاليزه ولم تخرج. رماها البائع جانباً باعتبار أنها فطيس يعني واستمر بتنظيف القرش وقطعه وأعطاني اياه بكيس ولكني داهمني شعور يختلف عن الشعور بالخوف من القرش ولكنه شعور بالامتعاض وأوشكت على الاستفراغ، كيف لي أن آكل من يأكل لحم أبناء جنسه (طبعا السمك يأكل بعضه بعضاً، وهذه معروفه، لكني وجدت العذر للخطوة اللاحقة) واستمر هذا الشعور وأنا في طريقي إلى البيت. فجأة ودون سابق إنذار توقفت عند حاوية للزبالة في الحديقة المقابلة لفندق بيت الحافة، قذفت فيها حمولتي من سمك القرش ورجعت للبيت خالي الوفاض. لا أذكر ماذا أكلنا على الغدا في تلك الجمعة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق