الفصل السادس
العرس الظفاري
لا بد من المرور على أحد سبل الحياة وتجددها في العالم كله ألا وهو الزواج
الذي يبدأ طبعا بالعرس. ولا تختلف مراسم
الزواج في صلالة عن تلك التي كانت عندنا بالأردن في فترة معينة من الزمن باستثناء
بعض الخصوصية التي سأشير لها أثناء الحديث عنها هنا. وللتوضيح طبعا فإن حديثي
سيكون عن جزء معين من ظفار الا وهو منطقة صلالة؛ فلم أشهد عرسا في الجبل أوالبادية؛
لهذا فالحديث هنا عن صلالة.
عند بداية التفكير بتزويج أحد
الأبناء يتم التفكير بإحدى بنات القبيلة في بداية الأمر، وهذا دارج جداً في
المجتمع الظفاري؛ فبنت القبيلة لها الأولوية إلا إذا كان للعريس رأي آخر؛ فقد
أصبحنا نسمع عن هذا الأمر بالسنوات الحديثة لأن الشباب أصبحوا أكثر عرضة لأن يروا بعضهم بعضا بالعمل،
فلهذا يمكن أن يختار الشاب عروسه من قبيلة أخرى.
وهذا يختلف عن أيام التسعينات
طبعا. لكن الأهل يفضلون بنت القبيلة لاعتبارات قبلية طبعاً فهي خيارهم
الأول.
وتبدأ الخِطبة طبعا عند النساء كمرحلة أولية؛ وعند الموافقةالمبدأية يدخل
الرجال على الخط لوضع النقاط على الحروف.
وأول ما يتم الحديث عنه هو المهر؛ وهذا الحديث يعيدنا للحديث عن إحدى ميزات
الزواج من بنت القبيلة وهو المهر القليل؛ وعند الزواج من بنت القبيلة يتم تفعيل
الحديث النبوي أقلهن مهرا أكثرهن بركة (
أو كما قال صلى الله عليه و سلم)؛ لكن عند الحديث عن الزواج من بنت قبيلة الأخرى
يتم الرجوع الى الآية الكريمة ( وآتيتم
إحداهن قنطارا)، فلا سقف للمهر إذا كان
الزواج من قبيلة أخرى ولا أتحدث طبعا عن أرقام فلكية ولكني أشير إلى أضعاف مهر بنت
القبيلة وهو يبقى ضمن المعقول. ورغم التوصيات والرغبات لدى الكثيرين بتخفيض المهر
وتيسيره على الشباب إلا أنه عند التنفيذ يتم الحديث بشكل مختلف. ويتم دفع
المهر نقداً لأبي العروس الذي يتكفل طبعا
بالذهب واللباس والعطور وما يترتب على العرس من تجهيز للعروس قبل أن تخرج من بيت
أبيها ولا علاقة له طبعا بالعروس بعد أن تصل بيت الزوجية أي لا يساهم أهل العروس
بتجهيز بيت العروس من أثاث أو غيره فهذا
شأن العريس. ويمكن طبعا إن كان المهر مرتفعاً أي يبقى منه شيء لوالد العروس (في
حالات نادرة)، أما إن كان العريس من القبيلة فلا يكفي المهر لكل هذه التجهيزات
فيضطر والد العروس للدفع من جيبه الخاص لتغطية نفقات ابنته العروس.
وعندما يبدي العريس استعداده
للزواج ويجهز بيته من الأثاث وصبغة البيت(الطراشة والدهان بلهجتنا) يتم البدء بالخطوات
الفعلية لهذا الأمر. ولكن يجب
الإشارة إلى أن معظم الشباب يسكنون مع
أهلهم وليس خارج البيت؛ حيث يخصص له غرفة أو جناحاً إن كان من الميسورين جداً
لتكون سكناً له؛ وهذا السكن قد يدوم سنوات إلى أن تكبر أسرته فيضطر للانتقال إلى
بيت جديد أو يبني طابقا جديدا فوق البيت فيكون قد بقي في البيت ولم يغادره.
تكون الخطوة الأولى هي تحديد موعد عقد القران والزواج واللذين عادة ما
يكونا بنفس الأسبوع فلا يحبذ الظفاريون أن يكون هناك فاصل زمني طويل بين عقد
القران والزواج وذلك حتى يكون الطرفان مقتنعين تماما بالزواج؛ ذلك إن حصل خلاف لا
سمح الله يذهب كل طرف في سبيله دون التزامات ودون تبعات نفسية بحيث لا تُسمى
الفتاة مطلقة ولا تبعات مادية نتيجة لهذا الخلاف.
المهم، يحدد اليوم ويُعلن عنه بعدة طرق منها عن طريق البطاقات طبعا التي
تُرسل للأصدقاء والأهل ويوضع منها نسخة في المسجد. وكانت الطريقة القديمة هي أن
يقرأ المؤذن نص البطاقات ويعلنها للمصلين على السماعة الداخلية والخارجية للمسجد.
وقد كانت هذه الطريقة هي الشائعة جدا في التسعينيات من القرن الماضي أما هذه
الأيام يكتفي معظم المساجد بوضع البطاقات على لوحة الإعلانات، ولم يبق منهم إلا
القليل حيث يستمتع المؤذن بقراءة الدعوات. والغريب أنه يقرأ الدعوات كاملة أي لا
يقرأها كقائمة أسماء لأنه كما يقول يريد أن يعلم الناس عن أماكن الأكل. وعادة تكون
النص تقريباً واحداً " يتشرف فلان الفلاني بدعوتكم لحضور تناول طعام الغداء بمناسبة زواج
ابنه أو ابنائه أو ربما هو نفسه. وذلك ب ( تحديد المكان و الزمان) من الساعة
التاسعة الى الساعة الثانية ظهراً في المكان الفلاني.
في هذه الفترة يبدأ تجهييز العريس والعروس للزفاف، طبعا كلٌ على حده؛ وهنا
يبدأ عمل صالونات الحلاقة والتجميل لهذه المهمة.
ويحرص العروسان على نوعية الطعام المغذي والإكثار من العصائر، والزيارات
المتكررة للصالونات مع أصدقاء العريس؛ أما
في حالة العروس فتكون هذه الأمور برعاية الأسرة وتتكفل بها الأم و الأخوات. لكن هناك أمر طريف في هذا المجال فيما يخص
العروس وهو أنه في الأيام القليلة التي تسبق الزفاف تحرص الأسرة أن لا يراها أحد
ولا أدري السبب؛ ربما درأ للعين والحسد.
كذلك يتم شراء الذبائح والتي عادة ما تكون من الأبقار؛ فأهل ظفار يستهلكون
لحوم الأبقار بكثرة. ويكون عدد الأبقار حسب مقدرة والد العريس المادية وحسب أعداد
القبيلة التي عادة ما تُشكل القسم الأكبر من الحضور. ويتم الذبح وإرسال اللحوم الى
المطاعم الشعبية لصنع طعام القبولي. والقبولي هو الطعام الشائع ظفارياً، وهو أشبه ما
يكون من حيث الشيوع بالمنسف الأردني؛ أي أنه طعام المناسبات جميعها. ويصنع القبولي
من الأرز البسماتي ويطبخ بماء اللحم بعد غليه ونضجه لهذا فهو من أدسم الأكلات رغم
أنه خفيف على المعدة؛ فلا تشعر بالشبع عند أكل القبولي رغم حالة الإمتلاء. ويضاف له المكسرات والزبيب ويؤكل مع الشتني؛ والشتني
هو الفلفل المخلوط مع الطماطم فيسكب منه على الأرز حسب الرغبة. وأول ملاحظة عند
الذي يأكل القبولي لأول مرة هو أنه لا يرى اللحمة حيث تكون تحت الأرز وذلك حتى
تبقى ساخنة. وطعام الأعراس كما هو طعام العزاء يكون فرصة لعابري السبيل لتناول
الغداء ثم يذهبون دون أي التزامات مادية؛
ولا يجد المحتاجون حرجاً من ذلك. ويتم بعد
ذلك توزيع الاكل الفائض على العائلات المستورة
والتي يعرفونها بالمنطقة.
طبعا يتم إرسال الطعام لأهل العروس لإطعام بنات القبيلة ممن يحضرن لوداع
العروس رغم أنهن قد لا يرينها. أما بالنسبة للرجال فيرسل معظم الأكل لمكان غداء
المعلن عنه. ونتيجة لكثرة الحضور يتم نصب الخيام لهذه المناسبة. وكانت الأمكنة
قريبة من بيت العريس، لكنه في الفترة الأخيرة وحرصا من الأهل على أن يبقى البيت
بعيداً عن زحمة العرس يتم اختيار المناطق البعيدة عن البيوت؛ وقد وجد أصحاب الخيام
من الساحات القريبة من المساجد أو في الأماكن المفتوحة مكاناً مناسباً لنصب خيامهم
حيث تكون معظم الخيام منصوبة جاهزة؛ ويتم حجزها وبعدها يتم الاعلان أن الأكل في
المكان الفلاني.
..............يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق