الثلاثاء، 28 مارس 2017

تابع الأسماك في ظفار




أنواع أخرى من السمك و مواسمها

الأنواع كثيرة طبعاً وأسماؤها محلية مثلا، يتقدمها الكنعد أو ملك السمك (King Fish)، وهناك الغودا وهي بالدرجة الثانية بعد الكنعد، وكذلك الهامور والحمشكي وصافي والحمام والتكوايا  .... الخ وهي كلها أسماء محلية ولا أعرف مرادفها باللهجة الأردنية. ولا ننسى طبعا السردين. وهذه تصاد بمختلف أوقات السنة ولا وقت معين لها، ولكن هناك أنواع أخرى لها مواسم محددة وتخضع لمراقبة وزارة الزراعة والأسماك ومنها الشارخة أو الأستاكوزا أو (Lobster) وهذا أوقاتها بشهر نوفمبر وديسمبر على ما أظن.  وهذا النوع من الأسماك لا يتم بيعه بالسوق الشعبي المعروف ولكنه يخضع للتصدير للخارج.

الصفيلح (abalone) هو من الرخويات البحرية التي تلتصق بقاع البحر وبأماكن محددة وتصطاد بالغطس، ولها موسم محددة وقصيرة ( شهران) ويتفرغ الغطاسون لهذه المهمة ومنهم من يأخذ إجازة من عمله لهذه المهمة، وهو غالي الثمن جدا.  يجمع على الشاطئ ويتم اخراجه من صدفه ثم يغلى بالماء فورا لحفظه ثم يُصدر للتجار الذي يحضرون لهذه الغاية. 

التكوايا أيضا موسمي وهو سمك شعبي ورخيص الثمن وكبير الحجم وسمين. وهو يصلح للشوي أكثر من القلي لأنه مدهن كثيراً ولذيذ الطعم.  وفي موسمة يمكن حتى لمن يجهل أساسيات الصيد أن يصطاده باستثنائي طبعا فقد حاولت مرة ولم أفلح ولم أعد الكرة ثانية.

هذه الأيام تغيرت الأحوال والناس بتغير ظروف المعيشة طبعا. لم نعد نرى الأنواع العديدة بالأسماك وتضاعف السعر ثلاث أو أربع أمثاله سابقاً وأرتفع سعر التنظيف ولم يعد السمك وجبة الفقير كما كان في السابق.

منظر في الذاكرة


أذكر أنني مرة كنت في مدرسة الحافة الابتدائية على الشاطئ للإشراف على طلابي الذين كانوا يتدربون ( التربية العملية) في تلك المدرسة. وفي غمرة انشغال المعلم الطالب بحصته التفتُّ ناحية البحر فشاهدت رجلاً عجوزاً يمتطي قارباً صغيراً دفعه للبحر و سار مسافة ليست بعيده وتوقف في البحر.  بعد انتهاء الحصة خرجت للشاطئ وشاهدت هذا العجوز عائداً ومعه سمكتان كبيرتان . أخرجهما للشاطئ وقطعهما ونظفهما وأخذهما للبيت معه. سألته هل هذا للبيع قال لا للأكل. فقلت يمكن أن عنده عزومة.  تذكرت بعض المشاهد بالمسلسلات البدوية عندما كان القهوجي يلحق الراعي ويحضر ذبيحة للضيف. فهذا العجوز فعل نفس الشيء على ما يبدو، يمم وجهه للبحر و أحضر غداء ضيوفه وعاد. 

الاثنين، 27 مارس 2017

الفصل السابع : الأسماك في محافظة

الفصل السابع

الأسماك

لا يمكن طبعاً أن نذكر صلالة ولا نذكر الأسماك فيها،  وكنا قد سمعنا بها من قبل وأذكر أنني واثناء رجوعي من كلية حوارة عام 1988 على ما أظن صادفت محلاً جديداً في إربد يبيع الأسماك، وتوقفت عند صنف من الأسماك قال انه سمك عُماني، ولا أجزم إن كان سمكاً ظفارياً أم من شمال عمان.  لكن القلب تحرك تجاهه وكأنه كان يستبق الأحداث او يتنبأ بأننا سنكون يوما في صلالة. أحضرت السمكة من الحجم الكبير وكنت أشاهد المدام وهي تقوم بتجهيزها كما لو كانت خبيرة بموضوع السمك رغم أننا لم نأكل السمك قبلها الا بعلب السردين أو التونا.

عندما حضرتُ لصلالة كنت متلهفاً لمشاهدة منظر الأسماك على الطبيعة. وهنا أسجل للاستاذ جميل مناصره أنه حضر لنا وجبة سمك مقلي وهو عزابي والأهم من هذا أنه اصطحبنا الى السوق لنشتري من هناك.  وفي السوق شاهدت أكوام السمك باحجامها والوانها وأنواعها المختلفة. وكانت تباع بالعدد قبل أن تتحول حديثا إلى الكيلو. وعندما نذكر العدد نذكر البركة بكل شيء والسماحة فقد كان الباعة دائماً مبتسمين بطيبة كبيرة ولا يجادلون ولكنه يقول لمن يجادل لزيادة سمكة على البيعة (شِلها) لسماحته فلم أصدف أنهم أوقفوا بيع سلعة بالسوق من أجل مبلغ من المال إلا إذا كان المشتري من النوع البخس فهم لا يحبون من يستغفلهم.

تختار ما تريد من السمك ويقوم صاحب السمك بتنظيفها وتقطيعها بطريقتهم ثم نحملها إلى البيت. والسمك عندهم كان بتلك الفترة إما مقلياً أو صالوناً. ويمكن إضافة الرز الأبيض أو البرياني.  أما موضوع صواني السمك والتفنن بإعداده فلم يكن معروفاً كما كان الحال بالنسبة للكوسا وورق العنب الذي حدثتكم عنه سابقا.  هذه الأيام تم افتتاح العديد من المحلات بسوق السمك لتقوم بشوي الأسماك بالفرن بعد أن تشتريها، وطبعا القلي على الطريقة المصرية، فلم اشاهد داخل المطاعم مكانا لتنظيف السمك، إذ انهم يكتفون بتنظيف العمال الذي يقطعونه بالخارج.

سمك قرش

لا أدري ان كان هذا الموقف حصل لي بالزيارة الأولى مع الأستاذ جميل أو انه حصل لاحقا.  كنتُ فرحاً ومتحفزاً عند دخولي السوق وفجأة ودون أدنى مقدمات وجدتي أمام من لا يرحم لو كان حياً يرزق, وجدتني أمام اثنتين أو اثنين من سمك القرش الضخمة مضرجة بدمائها وعلى ما يظهر كانت أحضرت للتو من البحر وفي فمها بعض الخيوط مما يوحي بأنه تم اصطيادها بالطريقة التقليدية بالخطاف.  إمتقع لوني ودارت بي الدنيا (و لا أمزح) وتخيلتي وجهاً لوجه أمامه بالبحر وسألت نفسي كم من الجهد يمكن أن آخذ بيد هذه العملاق البحري لو أنني كنت بمملكته البحرية.  واستذكرت معاناة الشيخ في رواية ارنست همنغوي الشيخ والبحر وأعجبت بهذا الشيخ الذي تمكن من الإفلات من أنيابه.

كانت السمكتان بطول مترين تقريباً للواحدة، والمحيط ربما نصف متر ( و أرجو أن أكون أعطيت القياس صح، لكن إذا كان المقياس لا يشير إلى الضخامة فيكون السبب أنني لم أعرف أن أصفها).  يسيل الدم من فمها وتبرز أنيابها مما يوحي أن أصطيادها لم يكن بالأمر السهل. المهم أنني كنت وما زلت أخاف القرش حياً أو ميتاً.

ويتحدث العمانيون عن فوائد القرش العديدة، حيث تباع زعانف القرش لاستعمالها طبياً كما سمعت، أما لحم القرش فيتحدثون عن فوائده الليلة بعد أن تطفأ الأنوار حيث لا ينفع الرجل أمام زوجه إلا عمله الطيب. لهذا كان الناس يشترونه.  وذات يوم خطر ببالي أن أجرب لحمه هذا من باب العلم بالشيء يعني. طفت بالسوق ورأيت رجلاً يبيع القرس الصغير. فاشتريت منه ثلاث سمكات. وعندما بدأ بتنظيفها وفتح بطنها وجدت بببطن إحداها ثلاث سماك سردين كبيرة ضلت طريقها بالبحر فوجدت فم هذا القرش مفتوحاً فدخلت في دهاليزه ولم تخرج. رماها البائع جانباً باعتبار أنها فطيس يعني واستمر بتنظيف القرش وقطعه وأعطاني اياه بكيس ولكني داهمني شعور يختلف عن الشعور بالخوف من القرش ولكنه شعور بالامتعاض وأوشكت على الاستفراغ، كيف لي أن آكل من يأكل لحم أبناء جنسه (طبعا السمك يأكل بعضه بعضاً، وهذه معروفه، لكني وجدت العذر للخطوة اللاحقة) واستمر هذا الشعور وأنا في طريقي إلى البيت. فجأة ودون سابق إنذار توقفت عند حاوية للزبالة في الحديقة المقابلة لفندق بيت الحافة، قذفت فيها حمولتي من سمك القرش ورجعت للبيت خالي الوفاض. لا أذكر ماذا أكلنا على الغدا في تلك الجمعة.


الأحد، 26 مارس 2017

تابع العرس الظفاري

تقديم النقوط ( مغبور). 

هو المبلغ من المال الذي يقدمه الحضور للعريس بعد الغداء كما نفعل بالنقوط عندنا في الأردن. لاحظنا بأول عرس دُعيت له طبعاً أن هناك رجلاً يجلس على طاولة وكرسي وأمامه شنطة سمسونايت أو ما شابهها ودفتر يسجل فيه أسماء الواهبين للمال.  فالعملية كما نسميها في الأردن سلف ودين. هذا وضع طبعا لم يكن غريبا علينا نحن الأردنيين باعتبار أن هذه العادة قديمة عندنا.

 وإذا كان الحضور من قبائل مختلفة من الجبل مثلا فإنهم يتجمعون في مكان ما مقابل الخيام ويبدأوا بالأغاني ويرقص أمامهم شبابهم بالسيف وهذا الرقصة تسمى الهبوت ويتقدمون باتجاه خيمة الغداء وبنفس الوقت يكون  أقارب العريس قد تجمعوا وبدأوا يرددون أغاني الخاصة باستقبال الضيوف؛ فالضيوف يشيدون بكرم وجاه القبيلة ويقابلهم المعازيب بنفس القدر من أهازيج المدح. وفي كلتا الحالتي طبعا يكون شباب السيف يقفزون أمامهم بحماس وخفة ملفتة للنظر. وبعد الغداء يساهمون فرادى بدفع المال ويُسجل قيمة ما دفعوا. يستمر الأكل من الساعة الثامنة إلى حوالي الساعة الثانية وبعده يعلن أن مراسم الغداء قد انتهت، وتبدأ بعدها مراسم عقد القرآن.

عقد القران

يكون عقد القران في المسجد ويجري مراسم العقد أحد القضاة الموكلين بهذه العملية وتكون كما تعلمون بنفس الطريقة من حيث الإيجاب والقبول بين العريس ووكيل العروس. ويحضر عقد القران تقريباً كل من حضر الغداء من أهل العروسين،  ويكون المسجد ممتلئا كله. وينطلق الجمع بعد هذا إلى بيت العريس. فإن كان قريباً ساروا على الأقدام وأن كان بعيداً ركبوا سيارتهم حتى يصلوا لمنطقة قريبة ثم يكملوا المسافة الباقية مشياً يتوسطهم العريس الذي يكون بالبشت حاملاً سيفا على كتفه. ويحرص الجميع أن لا يكون أحد يلبس البشت بالموكب غير العريس حتى يكون مميزاً ومعروفاً. ويتقدمون نحو البيت وهم يهزجون أغاني الهبوت، يتقدمهم الشباب بالرقص بالسيوف ويهزونها بقوة الشباب. ويستمر الموكب إلى أن يصل البيت.  والسبب في هذا الاستعراض طبعا والاصرار على دخول العريس بيته بالهبوت هو أنه من حسن الطالع ولا يجوز أن يدخل بيته على السكيت.

عند وصول العريس تكون النساء بالبيت مستعدة للاستقبال بالزغاريد التي يسمونها "يبلل" ، وتكون النساء على مجموعتين تأخذ هذه المجموعة دوراً وتليها الأخرى في الزغاريد وربما يكن  أكثر من مجموعيتن. واكتشفتُ لاحقاً أن في بعض الأعراس كانت هذه الزغاريد مسجلة على مسجل وذلك لأنها لا تنقطع لساعات. وبالمناسبة لا يمكن رؤية النساء ولكن كل الزغاريد تسمع من السماعات التي تكون على الشبابيك.

لباس العريس

 بعد أن يأخذ العريس حمامه يلبس العريس دشداشة بيضاء فاخرة تسر الناظرين ويتمنطق حزاماً فضياً ثميناً (حسب مقدرة العريس) والخنجر العماني المشهور والمصنوع من الفضة كذلك.  ويلف حول خصره الشال وهو من القماش الفاخر أيضا.  وطبعا يضع على رأسه المصر الذي يشتهر به العمانيون. ويكون بألوان زاهية يغلب عليها طابع الوقار والحشمة ومنها من يكون موشحاً بشعار السلطنة.  كذلك يلبس العريس البشت؛ وقد كان لزاماً في القديم أن يكون هذا البشت أسوداً لكن طرأ هناك تغير جديد على لون البشت وأصبحنا نجد ألواناً أخرى لا تقل روعة عن الأسود، لكن يجب أن يبقى بشت العريس مميزاً.  وحتى تكتمل الأبّهة يحمل سيفا بيده مستندا على كتفه ليسير بفرح وشِيخة يغلب عليها الوقار  بين أهله وقبيلته وهم يزفونه بيوم سعده  إلى عروسه. 

مع الزميل أحمد المعشني  بعرسه



مع الزميل مسلم المهري بعرسه


زُهبة العروس

وتعني كلمة زُهبة العروس المكياج وكان هذا يختلف عن المكياج هذه الأيام.  فكان المعروف هو الزُهبة الظُفارية المشهورة عندهم.  وهذه الزهبة لها الاخصائيات بهذا النوع ويسموهن المزهبات. وهذا يعتمد على الكثير من كريمات الأساس ليعلوها أصباغ وخطوط حول العيون والوجه بطريقة لم نعهدها عندنا بالأردن.

بدأت هذه الطريقة بالمكياج بالاختفاء شيئاً فشيئاً إلى أن ذهبت إلى غير رجعة؛ وحل حلها المكياج العادي الذي نعرفه و يسمونه المكياج اللبناني.

لباس العروس

تلبس العروس ثوبا أسوداً تقليدياً من أفخر أنواع الثياب فالأسود هو سيد الألوان بالنسبة للمرأة الظفارية وهو لباس الفرح تزهو به بكامل أنقاتها ومكياجها وصيغتها  من الذهب التي لم يبخل عليها والدها بها، تضع على رأسها الشيلة الظفارية.

لكن ومع دخول القرن الجديد اتجهت بعض  العرائس ومن باب التقليد أيضا إلى لبس الثوب الأبيض والطرحة ولكنه ربما كان لغايات التصوير في الصالات التي أصبحت يتجه إليها الظفاريون ليتم الاحتفال بوداع بناتهم فيها بدلا من البيوت؛ وهذه الصالة طبعاً مدفوعة التكاليف من قبل العريس الذي قد لا يدخلها.   

هذه الصالات هي نتيجة الحداثة طبعاً وهي مثار سخط المجتمع المحلي ويرفضونها، وقد شهدت مرة في أحد المساجد أكثر من مداخلة بعد الإعلان عن دعوات الأعراس من قارئ الدعوات وساعده بعض الشيبان الآخرين حث الناس أن لا تذهب للصالات لأنها تكلفة إضافية لا ضرورة لها.  لكن لا نعلم إن كان هؤلاء سيرفضون ذلك حقيقة إن طُلب منهم الذهب للصالة. 

السهرة

في الفترة الفاصلة بين وصول الموكب للبيت إلى ما قبل وصول العروس يتم التحضير طبعا للسهرة التي تبدأ بعد العشاء بانتظار وصول العروس.  وتكون السهرة بحضور مطرب محلي يغني الأغاني الشعبية وبعض الأغاني الخليجية المشهورة والشباب والكبار يرقصون البرعة؛ وهي عبارة عن رقصة شعبية يشارك بها أثنان فقط يحملان خنجرين ويقفزان بطريقة واحدة لفترة من الزمن ثم يسلمان الخنجرين لأخرين وهكذا حتى يصل موكب العروس والمعروف باسم التحويل.

التحويل

هو موكب العروس الذي ينقلها من بيتها إلى بيت العريس بسيارة  فارهة حتى لو تم استعارتها من أصدقاء العائلة إن لم يكن لديهم سيارة تليق  بالتحويل؛  إلا أن هذه السيارة تخلو من الزينة كما هو الحال عندنا.  فلا تُعرف سيارة العروس إلا عندما تصل بيت العريس فيفسحون لها المجال لتقف عند الباب حتى تنزل العروس. ويسير الموكب بطريقة هادئة تخلو من الهرونات (الزوامير) باستثناء إعطاء إشارة الرباعي (الفلشر) حتى يعرف الناس أن هذا تحويل.  ومن الملفت للنظر أن موكب التحويل يحضره كل أقارب العروس وإن كانت من قبيلة أخرى يحرص معظم أفراد القبيلة القريبين من العروس على الحضور حتى يعطوا للعروس نوعاً من الهيبة والفخر والعزوة.

لقد كانت العادة قديماً عند وصول التحويل أن تطفئ الأضواء حتى تدخل العروس لمخدعها وهي تمسك بيد أمها وبعض أخواتها فترشدهم طبعاً إحدى قريبات العريس المقربات جدا للمخدع؛ ولكن هذه العادة اختفت هذه الأيام أقصد عادة إطفاء الأضواء؛ لكن  ينشغل الرجال المستقبلون بالسلام على الضيوف في حين تُدخِل النساء العروس لغرفتها حيث تبقى جالسة لوحدها بانتظار العريس الذي يكون جسمه في الخارج مع الضيوف وعقله في الداخل عند العروس طبعاً، وتحرص أم العروس أن لا يدخل على ابنتها أحد من نساء أهل العريس قبل أن يدخل العريس مهما طال الأمر، وهذا أيضا من باب رد العين والحسد؛ فقديماً كان ينتظر إلى أن ينصرف الجميع من العشاء الذي يكون أيضا القبولي.  أما هذه الأيام فلا يتأخر كثيراً، إذ يستغل أول فرصة للتزويغ من الربع للدخول على العروس. 

المصابحة

كانت هذه عادة  في التسعينات تأخذ شكل الاحتفال الرسمي كما لو كان يوم العرس نفسه فتضيف تكلفة إضافية مضاعفة على المعنيين؛ لكنها انقرضت وأصبحت تشبه الصباحية عند المصريين. حيث يحضر الأهل وربما نساء القبيلة للسلام على العروس التي تستقبلهن وهي جالسة لا تقوم  من مكانها ولا تأتي بحركة حتى لو استمرت العملية لساعات بطريقة مؤلمة لها.   وهنا لا بد من العودة إلى لباس العروس للتأكيد أن العروس بيوم المصابحة تكون ايضاً باللباس ألاسود و ليس الأبيض.

هدية أم العروس

كانت العادة زمان أن تنام أم العروس ببيت العريس لتكون أول من يطمئن على ابنتها بيوم الصباحية.  ففي الصباح تعم الفرحة والبهجة بالبيت ويعلن العريس عن بهجته بخالته (حماته) على هديتها له (العروس) وينفحها ببعض قطع الذهب ويقبل يدها.  عند حضور أهل العروس بيوم الصباحية تعود الأم معهم.

زيارة العروس

كما هي الأعراف في معظم الدول العربية لابد للعروس من أن تزور أهلها بنهاية الأسبوع الأول من الزواج. وفي الحالة الظفارية كان من المعيب على العروس أن تخرج من بيت زوجها قبل أن تزور بيت أهلها؛ وهذا يعني أنه يحظر عليها الظهور بأي مكان قبل الزيارة.   لكن طبعاً هذه العادة تغيرت كما هي العادات الأخرى ولم يعد الأسبوع شرطاً لهذه الزيارة.

وتشكل زيارة العروس لأهلها مناسبة احتفالية؛ فتحتفي بها العائلة وتقيم على شرفها عزومة للمقربين من أسرة العروس والعريس؛ وقد تّذبح لها ذبيحة؛ ويعتمد طبعا حجم العزومة على مقدرة الأب المالية.

وقد تبيت العروس عند أهلها بتلك الليلة وتحني الحناء مرة أخرى قبل أن تذهب لدار زوجها. وقد علمت أن العروس كانت تحني الحناء كل أسبوع ولمدة سنة ولكن هذه العادة اندثرت.

و دامت الأفراح حليفة دياركم العامرة.


الاثنين، 20 مارس 2017

العرس الظفاري



الفصل السادس

العرس الظفاري

لا بد من المرور على أحد سبل الحياة وتجددها في العالم كله ألا وهو الزواج الذي يبدأ طبعا بالعرس.  ولا تختلف مراسم الزواج في صلالة عن تلك التي كانت عندنا بالأردن في فترة معينة من الزمن باستثناء بعض الخصوصية التي سأشير لها أثناء الحديث عنها هنا. وللتوضيح طبعا فإن حديثي سيكون عن جزء معين من ظفار الا وهو منطقة صلالة؛ فلم أشهد عرسا في الجبل أوالبادية؛ لهذا فالحديث هنا عن صلالة.

 عند بداية التفكير بتزويج أحد الأبناء يتم التفكير بإحدى بنات القبيلة في بداية الأمر، وهذا دارج جداً في المجتمع الظفاري؛ فبنت القبيلة لها الأولوية إلا إذا كان للعريس رأي آخر؛ فقد أصبحنا نسمع عن هذا الأمر بالسنوات الحديثة لأن الشباب  أصبحوا أكثر عرضة لأن يروا بعضهم بعضا بالعمل، فلهذا يمكن أن يختار الشاب عروسه من قبيلة أخرى.  وهذا يختلف عن أيام  التسعينات طبعا. لكن الأهل يفضلون بنت القبيلة لاعتبارات قبلية طبعاً فهي خيارهم الأول.

وتبدأ الخِطبة طبعا عند النساء كمرحلة أولية؛ وعند الموافقةالمبدأية يدخل الرجال على الخط لوضع النقاط على الحروف.  وأول ما يتم الحديث عنه هو المهر؛ وهذا الحديث يعيدنا للحديث عن إحدى ميزات الزواج من بنت القبيلة وهو المهر القليل؛ وعند الزواج من بنت القبيلة يتم تفعيل الحديث النبوي  أقلهن مهرا أكثرهن بركة ( أو كما قال صلى الله عليه و سلم)؛ لكن عند الحديث عن الزواج من بنت قبيلة الأخرى يتم الرجوع الى الآية الكريمة (  وآتيتم إحداهن قنطارا)، فلا سقف  للمهر إذا كان الزواج من قبيلة أخرى ولا أتحدث طبعا عن أرقام فلكية ولكني أشير إلى أضعاف مهر بنت القبيلة وهو يبقى ضمن المعقول. ورغم التوصيات والرغبات لدى الكثيرين بتخفيض المهر وتيسيره على الشباب إلا أنه عند التنفيذ يتم الحديث بشكل مختلف. ويتم دفع المهر  نقداً لأبي العروس الذي يتكفل طبعا بالذهب واللباس والعطور وما يترتب على العرس من تجهيز للعروس قبل أن تخرج من بيت أبيها ولا علاقة له طبعا بالعروس بعد أن تصل بيت الزوجية أي لا يساهم أهل العروس بتجهيز بيت العروس من أثاث  أو غيره فهذا شأن العريس. ويمكن طبعا إن كان المهر مرتفعاً أي يبقى منه شيء لوالد العروس (في حالات نادرة)، أما إن كان العريس من القبيلة فلا يكفي المهر لكل هذه التجهيزات فيضطر والد العروس للدفع من جيبه الخاص لتغطية نفقات ابنته العروس.

وعندما يبدي  العريس استعداده للزواج ويجهز بيته من الأثاث وصبغة البيت(الطراشة والدهان بلهجتنا) يتم البدء بالخطوات الفعلية لهذا الأمر.  ولكن يجب الإشارة  إلى أن معظم الشباب يسكنون مع أهلهم وليس خارج البيت؛ حيث يخصص له غرفة أو جناحاً إن كان من الميسورين جداً لتكون سكناً له؛ وهذا السكن قد يدوم سنوات إلى أن تكبر أسرته فيضطر للانتقال إلى بيت جديد أو يبني طابقا جديدا فوق البيت فيكون قد بقي في البيت ولم يغادره.

تكون الخطوة الأولى هي تحديد موعد عقد القران والزواج واللذين عادة ما يكونا بنفس الأسبوع فلا يحبذ الظفاريون أن يكون هناك فاصل زمني طويل بين عقد القران والزواج وذلك حتى يكون الطرفان مقتنعين تماما بالزواج؛ ذلك إن حصل خلاف لا سمح الله يذهب كل طرف في سبيله دون التزامات ودون تبعات نفسية بحيث لا تُسمى الفتاة مطلقة ولا تبعات مادية نتيجة لهذا الخلاف.
     
المهم، يحدد اليوم ويُعلن عنه بعدة طرق منها عن طريق البطاقات طبعا التي تُرسل للأصدقاء والأهل ويوضع منها نسخة في المسجد. وكانت الطريقة القديمة هي أن يقرأ المؤذن نص البطاقات ويعلنها للمصلين على السماعة الداخلية والخارجية للمسجد. وقد كانت هذه الطريقة هي الشائعة جدا في التسعينيات من القرن الماضي أما هذه الأيام يكتفي معظم المساجد بوضع البطاقات على لوحة الإعلانات، ولم يبق منهم إلا القليل حيث يستمتع المؤذن بقراءة الدعوات. والغريب أنه يقرأ الدعوات كاملة أي لا يقرأها كقائمة أسماء لأنه كما يقول يريد أن يعلم الناس عن أماكن الأكل.  وعادة تكون  النص تقريباً واحداً " يتشرف فلان الفلاني  بدعوتكم لحضور تناول طعام الغداء بمناسبة زواج ابنه أو ابنائه أو ربما هو نفسه. وذلك ب ( تحديد المكان و الزمان) من الساعة التاسعة الى الساعة الثانية ظهراً في المكان الفلاني.

في هذه الفترة يبدأ تجهييز العريس والعروس للزفاف، طبعا كلٌ على حده؛ وهنا يبدأ عمل صالونات الحلاقة والتجميل لهذه المهمة.  ويحرص العروسان على نوعية الطعام المغذي والإكثار من العصائر، والزيارات المتكررة للصالونات مع أصدقاء العريس؛  أما في حالة العروس فتكون هذه الأمور برعاية الأسرة وتتكفل بها الأم و الأخوات.  لكن هناك أمر طريف في هذا المجال فيما يخص العروس وهو أنه في الأيام القليلة التي تسبق الزفاف تحرص الأسرة أن لا يراها أحد ولا أدري السبب؛ ربما درأ للعين والحسد.

كذلك يتم شراء الذبائح والتي عادة ما تكون من الأبقار؛ فأهل ظفار يستهلكون لحوم الأبقار بكثرة. ويكون عدد الأبقار حسب مقدرة والد العريس المادية وحسب أعداد القبيلة التي عادة ما تُشكل القسم الأكبر من الحضور. ويتم الذبح وإرسال اللحوم الى المطاعم الشعبية لصنع طعام القبولي.  والقبولي هو الطعام الشائع ظفارياً، وهو أشبه ما يكون من حيث الشيوع بالمنسف الأردني؛ أي أنه طعام المناسبات جميعها. ويصنع القبولي من الأرز البسماتي ويطبخ بماء اللحم بعد غليه ونضجه لهذا فهو من أدسم الأكلات رغم أنه خفيف على المعدة؛ فلا تشعر بالشبع عند أكل القبولي رغم حالة الإمتلاء.  ويضاف له المكسرات والزبيب ويؤكل مع الشتني؛ والشتني هو الفلفل المخلوط مع الطماطم فيسكب منه على الأرز حسب الرغبة. وأول ملاحظة عند الذي يأكل القبولي لأول مرة هو أنه لا يرى اللحمة حيث تكون تحت الأرز وذلك حتى تبقى ساخنة. وطعام الأعراس كما هو طعام العزاء يكون فرصة لعابري السبيل لتناول الغداء  ثم يذهبون دون أي التزامات مادية؛ ولا يجد المحتاجون حرجاً من ذلك.  ويتم بعد ذلك توزيع الاكل الفائض على العائلات المستورة  والتي يعرفونها بالمنطقة.

طبعا يتم إرسال الطعام لأهل العروس لإطعام بنات القبيلة ممن يحضرن لوداع العروس رغم أنهن قد لا يرينها. أما بالنسبة للرجال فيرسل معظم الأكل لمكان غداء المعلن عنه. ونتيجة لكثرة الحضور يتم نصب الخيام لهذه المناسبة. وكانت الأمكنة قريبة من بيت العريس، لكنه في الفترة الأخيرة وحرصا من الأهل على أن يبقى البيت بعيداً عن زحمة العرس يتم اختيار المناطق البعيدة عن البيوت؛ وقد وجد أصحاب الخيام من الساحات القريبة من المساجد أو في الأماكن المفتوحة مكاناً مناسباً لنصب خيامهم حيث تكون معظم الخيام منصوبة جاهزة؛ ويتم حجزها وبعدها يتم الاعلان أن الأكل في المكان الفلاني. 


 ..............يتبع

السبت، 18 مارس 2017

تابع المرأة الظفارية

المرأة الظفارية موظفة

لقد مر التطور الوظيفي للمرأة الظفارية بنفس المراحل التي مرت بها المرأة الأردنية بالريف والبادية من حيث تردد المجتمع بقبول الوظيفة ثم التركيز على وظائف معينة كالتعليم ثم اشتراط أن تكون قريبة من الأهل ثم لا مانع من مكان بعيد شريطة العمل بمؤسسة نسائية كمعلمات مثلا إلى القبول بأي وظيفة، فلم يعد هناك شروط على قبول هذه الوظيفة أو تلك.

عندما دخلت إلى الكلية المتوسطة للمعلمين عام 1990 كانت كلها من الذكور ولهذا لم يكن عندنا أي موظفة إطلاقاً.  وكانت الكلية المتوسطة للمعلمات في جزء من مدرسة للبنات في منطقة عوقد ولهذا كان الاتصال معهن عن طريق الوزارة أو المعرفة الشخصية بين المدرسين والمدرسات اذا كانوا من نفس الجنسية (المصرية) فلم تكن هناك معلمات باستثناء أستاذة رياضيات أردنية.

وبما أننا بقسم اللغة الانجليزية أكثر الأقسام ارتباطا بمسقط  كنا هدفا لزيارات الخبراء البريطانيين باستمرار ويطلبوا اجتمعا للمدرسين والمدرسات بالكليتين فكانت الأخوات وهن بريطانية واسمها كارولين وأخرى مصرية و اسمها سلوى يحضرن لكليتنا للاجتماع.  واذكر أن أحد الخبراء أثار نقطة مهمة وهي ضرورة تبادل أماكن الاجتماعات،فتم توجيه الدعوة اليتيمة لنا للذهاب هناك فذهبنا بحافلة الكلية فاستقبلنا الزميلات وأظن أن العميدة كانت بالاستقبال وأخذونا من طريق جانبي وأدخلونا لمكان الاجتماع، فاجتمعنا وخرجنا من نفس الطريق (ولا من شاف و لا من دري).

المرأة الظفارية زميلة

كان دخولي إلى الكلية التقنية بداية الزمالة  مع الأخوات كإداريات  فتعرفنا عن مكتب السكرتارية ثم تعرفنا على زميلة فاضلة حصلت على الدكتوراه لاحقا  في تقنية المعلومات وهي عميدة الكلية حالياً و هي الدكتورة مريم العوادي ثم انضمت الى قسم الدراسات التجارية مساعد محاضر ثم تطورت كثيراً وهي الآن في نيوزيلاندا تحضر للدكتوراه و هي الأستاذة أمل الشحري، الدكتورة أمل الشحري فقد أنهت الدراسة وعادت دكتورة، وقد صدقت نبوءتي فيها بأنها ستكون بمركز مهم قريباً فهي تتقدم بشكل مضطرد، وما لفت نظري فيها هو أنها من اليوم الأول لدوامها درست محاضرتها كاملة باللغة الانجليزية وكنت أسمعها بالخارج دون علمها (أخبرتها لاحقا)، إذ كانت غرفتها الصفية بجانب مكتبنا بقسم اللغة الانجليزية، وكانت تعمل كثيراً دون اكتراث لمنصب معين.

كانت الأخوات يلتحقن بالكلية في معظم الأقسام إلى أن التحقت زميلتان هما نور كشوب ومشاعل الصيعري، وأرسلن إلى بريطانيا لنيل درجة الماجستير وهذا شكل نقطة تحول لفهمي لوضع المرأة بالمجتمع الظفاري حيث أصبحت البنات تُرسل للخارج للعلم ونيل الدرجات العلمية.  ببداية عام 2011 _ 2012 انضمت دفعة كبيرة من الزميلات إلى قسم اللغة الانجليزية يحدوهن الطموح بأن يكن نقطة تحول في المركز في كل شيء وسيكون لهن ذلك.

تطور وضع المرأة الظفارية بالوظائف  بكل المجالات فأصبحنا نراها بالبنوك والمستشفيات والشركات ومنهن من يدرن أعمالا خاصة بهن.  كذلك قفزت المرأة الظفارية قفزات هائلة بالانضمام إلى المؤسسات والجمعيات العالمية وحصلن على منح للدراسة بالخارج على نفقة هذه الجهات.

 وبما أننا نتحدث عن القفز فقد فجرت الزميلة الجديدة (آنذاك) الشابة الأستاذة نوال ال جميل مفاجأة من العيار الثقيل عندما أعلنت أنها قفزت بالمظلة في أمريكا على نفقتها الخاصة وشاهدنا لها صوراً بذلك، آمل أن أتمكن من إضافة هذه الصورة إلى هذا الفصل بعد استئذانها.  وقد كان  هذا القفز كهواية دفعت تكاليفه من مصروفها الخاص.

تعدد الزوجات

يعتبر تعدد الزوجات أمراً طبيعياً هنا بالمجتمع الظفاري وربما يكون جزءاً من التراث وربما أيضا بريستيج اجتماعي كما يقول المثل الأردني ( الخيّر معه ثنتين وثلاث)، فربما يكون الرجل فقيراً ولكنه متزوج على أكثر من زوجة (للتوضيح هنا يقال متزوج على أخت فلان أي أنه متزوج أخت فلان فعلى هنا حرف جر زائد على ما يبدو).  فالزواج الثاني عادة كما عرفت ولا يعرف له سبب في بعض الأحيان فعندما كنا نسأل مثلا لما تزوجت الثانية أو الثالثة يكون الجواب :(كِذا) تقابلها بالأردني (هاظا اللي أجاك).

يُعلم الزوج زوجته الأولى بأنه قد خطب زوجة جديدة قبل الزواج بفترة، وإن كانت كما علمت تكون قد عرفت بحاستها الأنثوية أن الزوج مقبل على الزواج الثاني أو الثالث،  وهنا يكون أمامها أمران والخيار لها إما أن تبقى مع الزوج ويرضيها بما تشاء وفي هذه الحالة لها ما تشترط من النقد أو الذهب كمهر جديد، أو تشرط عليه أن لا يسكن الزوجة الجديدة معها بنفس البيت أو ترفض هذا الزواج وتخيره بينها و بين الزواج وطبعا سيختار الزواج الثاني ويطلقها؛ فتذهب ومعها أولاده إن كانوا صغاراً إلى بيت أهلها، وكذلك ينتقلون مع أمهم في حالة زواجها مجدداً من شخص آخر فيصرف الزوج الجديد على أولاد الزوج السابق، وربما يكون الزوج السابق نفسه قد تزوج الزوجة الثانية أرملة أو مطلقة ومعها أبناؤها فيعتني هو بأولاد غيره دون منية طبعا.

وبغض النظر اتفقنا مع هذا التوجه أو لا، إلا أنه يبقى إرثا اجتماعياً ولا يبدو أنه سيختفي قريبا، إذ لا أحد يتذمر من هذا الوضع لأنه لم يخلق عندهم مشكلة اجتماعية بعد كما هو بالأردن؛ لا أحد يتذمر من تعدد الزوجات ولا تتأثر العلاقات بين الأسر  بسبب الطلاق أو الزواج الثاني، ولا خوف على الأولاد من زوج الأم أو زوجة الأب فالكل سواسية مهما كان العدد بالأسرة؛ لهذا فالأمور كما يقولون طيبة، ولا داعي للقلق أو الخوف وربما يكون شعارهم كما قال الشاعر إيليا أبو ماضي :

 فتمتع بالصبح ما دمت فيه       لا تخف أن يزول حتى يزولا..


زواج صغيرات السن

 لا أتحدث هنا عن قاصرات بالمفهوم الشائع للكلمة كما يتداولها العالم ولكني اتحدث عن من هن أقل من 18 سنة.  ربما كان هذا الموضوع هو المأخذ الوحيد لي على موضوع هذا الفصل بشكل عام. فبالرغم أن هذه الظاهرة ليست منتشرة كثيراً إلا أنها موجودة ولا يمكن إنكارها.  لظروف معينة لم أفهما بصراحة؛ هناك بعض العائلات لا تمانع بتزويج بناتها بسن صغير أقل من 18 سنة، بغض النظر عن عمر العريس؛ وعمر العريس ليس مشكلة مهما كان عمر العروس. فيتزوج الصغيرة وربما تُطلق صغيرة أيضا، ويعاد تزويجها وهي لم تبلغ الثامنة عشر بعد. 

كما قلت هي ليس مشكلة عامة وتنحصر في بعض الحالات، وهناك وعي بدأ التزايد للحد من هذه الظاهرة.

هذا ملخص لوضع المرأة الظفارية هنا كما رأيته أو سمعت عنه.


السبت، 11 مارس 2017

تابع المرأة الظُفارية

المرأة الظفارية بالمجتمع 

تتمتع المرأة الظفارية بمجتمعها بقيمة اجتماعية لا تتمتع بها أي امرأة  كما عرفت بالعالم العربي على وجه العموم، ولا أبالغ إذا قلت ربما بمناطق أخرى كما يتضح من أقوال الزملاء الذين زاملتهم بالكلية من الجنسيات الأوروبية.  طبعاً ربما لا تعجبهم بعض الأوضاع الاجتماعية للمرأة الظفارية ولكنهم عندما يُقيّمون المرأة ككل فإنهم في الغالب ينصفونها تماما.  فلم أسمع أن امرأة ظُلمت أو أهينت من قبل أخ أو أب أو زوج أبداً مهما كان خطاؤها، وهي ليست حِملاً ثقيلاً على أهلها يودون التخلص منها بالزواج بأسرع وقت كما يحدث في بعض المجتمعات، ولا يأكلون ميراث الأخت.  ولقد عرفت عائلة جهزت غُرفا مستقلة ببيتهم الجديد لبناتها المتزوجات ليناموا بها مع أولادهن عندما يزرنهم.

المرأة العمانية  زوجة

عندما تدخل المرأة الظفارية بيت زوجها تصبح جزءاً من العائلة الجديدة رغم أن عدد العائلة الواحدة قد يتجاوز الثلاثين شخصاً، فلا تناكفهم ولا يناكفونها؛ فلا مشكلة تثار مع الحماة بل تناديها (الوالدة)، ولا أسافين تُدق من أخوات الزوج، وهي بالمقابل لا تشتكي لزوجها من مواقف معينة من عائلته؛ وهذا حال الجميع حتى لو تواجد الكثير من زوجات الأخ أو ما يعرف  عندنا بالسلفات، فالكل يعرف ما له وما عليه.

و أول ما تحرص عليه الزوجة الجديدة هو أن تبقى مع عائلتها الجديدة ولا تفكر أبداً بالاستقلال إذ يُعتبر ذلك عيباً بحق أسرتها الأولى حيث لا تقبل أن يقال ( كيف تشله من أهله، عن زوجها) فهذا عيب عليها كأبنة قبائل. لكن عند توسع العائلة تنتقل إلى بيوت أخرى أو ربما تكون لهم عمارة يستقل كل منهم بشقته.

وربما يعود السبب في هذا إضافة إلى التربية الاجتماعية أنه لا يوجد ما يختلف عليه النسوة عادة وهي أعمال البيت لوجود الشغالات والمربيات، وهذا يختلف عن مجتمعنا فالاختلاف بين النساء عندنا يحدث لأقل الأسباب.

المرأة الوالدة (المربية)

ومن دلائل احترام الأهل لابنتهم بعد زواجها هو أن المرأة التي تُنجب (تربي باللهجة الظفارية) تخرج من المستشفى مع وليدها إلى بيت أهلها وليس بيت زوجها وتبقى فيه معززة مكرمة بعناية الوالدة بابنتها من كل النواحي؛ ويتبعها خلال هذه الفترة زوجها للاطمئنان وربما باقي الأولاد، فلا ينزعج أحد من وجودهم.  وعند انتهاء فترة الأربعين يوماً تستعد للذهاب إلى بيت زوجها كما العروس، حيث يحضر زوجها لأخذها من بيت أهلها؛ فتقيم الزوجة عشاء كبيراً للأهل جميعا حيث تذبح به ذبيحة كوداع للبنت.

وعندما تصل إلى بيت زوجها تستقبل بالترحاب من قبل عائلتها الثانية حيث تجهز لعشاء فاخر أيضاً يكون بنهاية الأسبوع تذبح فيه ذبيحة كذلك.

المرأة الظفارية أرملة أو مطلقة

عندما تتعرض المرأة الظفارية إلى طلاق أو وفاة الزوج تُخير بين أن تبقى ببيت الزوجية اذا كان مستقلاً أو تنتقل إلى بيت أهلها مع أولادها إن كانت ذات ولد مهما كان عددهم، فيُكرَم الأولاد إكراما لوالدتهم ولا يوجد عندهم تمييز بين هذا أو ذاك من الأخوة أو أولاد الأخوات.  لهذا لا تُظلم المرأة العمانية ولا تقبل بالظلم، فإذا شعرت بالضيم من الزوج أو لم تعد تطيق الحياة معه فإنها سرعان ما تطلب الطلاق، فلا يوجد من يجبرها على العيش مع زوج لا تطيقه؛ فالطلاق ليس عيباً اجتماعياً هنا وإن كان أبغض الحلال إلى الله.  ولو استعرضنا الحال عندنا بالأردن مثلا لوجدنا أن نسبة كبيرة من النساء تفضل البقاء مع زوج لا تطيقه لعدة أسباب منها البعد الاجتماعي، إذ لا تقبل أن يُقال عنها مطلقة أو أسباب عائلية كعدم قدرتها على التأقلم مع عائلتها بعد أن خرجت منها خاصة إذا لم يعد الأب والأم على قيد الحياة فلا يمكن العيش مع نساء الأخوة إضافة إلى البعد الاقتصادي؛  هذه الأسباب جميعها غير موجودة هنا بالمجتمع الظفاري، لهذا فالطلاق ليس عيباً اجتماعياً هنا، وهذا يعني أن المرأة الظفارية هنا تعيش في بيت الأهل بعد الطلاق أو الوفاة بنفس درجة الاحترام الذي حظيت به قبل الزواج.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المطلقة أو الأرملة لها نفس الفرصة بالزواج أكثر من مرة شأنها شأن البنت البكر ولا ينتقص ذلك  من حقها باختيار الزوج فلا تُلزم بشايب قد بلغ من العمر عتيا (بختيار مكحكح ) لأنها أرمله ولها حقها بالمهر والاستعداد للزواج الثاني كعروس تدخل بيت الزوجية لأول مرة، فلها نفس المهر ونفس الذهب ونفس الاحتفال كما البكر؛ ولا يهم العريس أن يتزوج مطلقة أو أرملة حتى لو لم يكن العريس قد دخل دنيا الزواج من قبل؛ في حين أن عندنا بالأردن لا يتقدم لخطبة الأرملة وبنسبة أقل للمطلقة إلا الكبار بالسن أو من سبق لهم الزواج وانفصلوا عن أزواجهم بالطلاق أو الوفاة.


الجمعة، 3 مارس 2017

المرأة الظُفارية

الفصل الخامس

المرأة الظُفارية

عندما تُذكر المرأة الخليجية عموماً في الأدب أو الفن كالأفلام والمسرحيات فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أنها لا حول لها ولا قوة ولا عمل لها إلا إرضاء الزوج والأخ والأهل ، وربما تخيلنا بُعداً آخراً وهو أنها عبء على العائلة، وربما يكون هناك صوراً عديدة وكلها وللأسف سلبية عن المرأة الخليجية كما نشاهد بوسائل الإعلام.  وهنا لا أدّعي معرفة بأحوال المرأة الخليجية عموماً ولم اعتد على الإفتاء بما لا أعلم، ولكني أستطيع القول أنني على علم بدرجة معقولة بوضع المرأة الظفارية هنا وذلك مما شاهدت من طالباتي اللواتي درّستهن أو زميلاتي بالعمل لاحقاً أثناء عملي بالكلية التقنية بصلالة أو مما حدثتني عنه زوجتي عن أحوال المجتمع العماني من خلال معارفها من النسوة. وإذا سلّمنا بفرضية بأن لكل مجتمعٍ خصوصيته بالنسبة للبس والعادات ، وليس بالضرورة أن يتماشى لباس المرأة الظفارية مع مثيلاتها من العربيات بالعواصم العربية والأجنبية المعروفة أو بما نشاهد من ملابس للمذيعات على محطات التلفار المبتذله فإنني أجزم أن المرأة الظفارية هي من خير يمثل المرأة المسلمة بهذا الوقت من الزمان، وآمل أن أكون قد نقلت الصورة بشكل صحيح وأدعي الكمال.

لباس المرأة الظفارية

إذا كانت المرة الأولى التي رأيت بها شخصية ذكورية عُمانية بجامعة اليرموك عام 1987 فقد كانت المرة الأولى التي رأيت بها المرأة الظفارية عام 1990 على الطيران العماني عندما كنت بطريقي إلى صلالة بالقصة التي حدثتكم عنها سابقاً عندما تطوعت بمكاني على الطائرة لهذه العائلة.  وتكرر هذا المشهد بأسواق صلالة.  وأول ما لفت نظري هو لباس المرأة العمانية حيث يغلب عليه السواد لأنه يتكون من ثلاث قطع رئيسة كما وصفت لي زوجتي هذا لاحقا.

يعتبر ثوب (بو ذيل) الُثوب التقليدي السائد عند النساء الكبار عموماً وهو ثوب يصل إلى تحت الركبة  بحوالي 20 سم من الأمام، أما من الخلف فيجر خلفه ما يعرف بالذيل وربما يعادل نفس الطول الذي التي تم اختصاره من الأمام.  ولإزالة الاستغراب الذي يظهر على وجه القارئ لمدلول هذا الذيل أوضح أن لهذا موروث اجتماعي (كما سمعت) وهو للحماية من أن يأخذ أحدهم من أثر هذه المرأة ليعمل السحر لها، فالحديث عن السحر في عُمان شائع كشأن المجتمعات العربية كلها، استنتجتُ شخصيا أنهم ربما كان يستدلون بأن السامري عندما صنع العجل بسحره قبض قبضة من أثر الرسول وهو الذي أرسله الله إلى سيدنا موسى ليحدد موعد لقائه بربه.  لهذا يحرصون على أن لا يبقى أي أثر للمرأة أثناء سيرها.  هذا شأن خاص بالنساء طبعاً. لا ادري إن كنت مصيباً بهذا التحليل أم لا؛ لكنه يبقى الموجود إلى أن يتبين لنا التفسير الوحيد للآن. 

ترتدي المرأة الظفارية ما يُعرف بالسروال تحت ثوب البو ذيل وهو سروال طويل فضفاض ينتهي بزركشة عند القدمين، فلا يظهر الجزء الأمامي من القدمين  مما لم يغطه أبو ذيل.

أما الشابات من النساء أو غير المتزوجات فيلبسن ما يشأن كالبنطلون بأنواعه أو التنانير مع القمصان بألوانها المختلفة، وهذا من التطور الذي واكبته المرأة الظفارية، ولكن لا يظهر من هذا شيء لأنه تحت العباءة.

العباءة

تُغطي العباءة الظفارية الفضفاضة المرأة فلا تخرج المرأة إلا بها وتلبسها فوق بو ذيل أو أي ثياب أخرى وهي عباءة سوداء، وكانت تخلو من الزركشة أو التطريز بالتسعينيات وتحرص المرأة على أن تكون هذه العباءة مغلقة تماما فلا يظهر من ثوبها الذي تغطيه العباءة أي شيء.  

لكن هذه العباءة تطورت كما تطور كل شيء، فلم تعد بنفس الدرجة من الفضفضة ويتم تضيقها دون ابتذال عند البعض من باب الموضة،  ورغم أنها بقيت سوداء إلا أن الألوان دخلتها عن طريق أكمام العباءة وخاصة تلك العباءات التي تخصص للحفلات والسهرات.

أما بالنسبة لطول العباءة فيختلف حسب المرأة التي تلبسها ولكنها تبقى طويلة بالحد الذي يستر ما تحتها، ومنها ما يجر على ألأرض ربما لنفس السبب الذي حدثتكم عنه بالفقرة السابقة.



الغشوة و البرقع

لا أذكر أنني رأيت وجه أمراة قبل 1997  إذ كانت النساء تلبس ما يُسمى بالغشوة على وجهها، وهي شبيه بما كان يعرف بالأردن عند النساء الريفيات بالشنبر، وهو قطعة سوداء مظلمة تسمح لها بالرؤية والتنفس ولكن الناظر لا يستطيع تحديد معالم وجه المرأة.  وقد سمعت أن من النساء الملتزمات دينياً من كانت تلبس طبقتين من هذه الغشوة.

بنهاية التسعينيات ودخول القرن الحادي والعشرين استبدلت بدايةً عند الشابات ثم لحقتها كل النساء هذه الغشوات بما يعرف عندهم بالبرقع وهو قطعة تغطي الوجه وتربط من خلف الرأس بشكل يسمح برؤية العينين فقط.  وتدرج هذا شيئا فشيئا إلى أصبح لباس جميع النساء فقد اختفت الغشوات نهائيا إلا من قلة.

ربما سنشهد لاحقا اختفاء لهذا البرقع نهائياُ لأن الدراسة بالكلية تتطلب خلع البرقع وكذلك العمل بالشركات لهذا فلا يستعمل إلا بالشارع فقط.  ومن يدري فربما يختفي من الشارع أيضاً.

القيمة المالية لهذا اللبس


تختلف القيمة المالية لهذا البس من امرأة إلى أخرى حسب إمكانيات الزوج المالية فمنها ما هو معقول السعر ومنها ما هو بالمئات.