الجمعة، 24 فبراير 2017

تابع

مولد سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم

كما أسلفتُ سابقاً عن حبي للشيوخ ورفقتهم كانت كذلك لي حب غير طبيعي للموالد النبوية على الطريقة الصوفية، ولا أدري إن كنت سأختم حياتي صوفياً، فأنا من العاشقين لهذا المذهب بمعناه النقي دون فلسفة الفلاسفة وتعقيداتها بهذا الموضوع.  وكنت تواقاً للموالد التي انقطع الحديث عنها حتى بالأردن قبل حضوري لسلطنة عمان.  وعندما حضرتُ و رأيت الوضع هنا لم أبحث عن هذه الموالد ظانا أنني لن أجدها.

في حوالي عام 2002 وببداية  معرفتي بأسيادنا المشايخ سمعت عن احتفال بالمولد النبوي بمسجد حمدان فقلت على ما أذكر للشيخ ربيع إمام مسجد سلمان الفارسي أنني أتوق لمولد من موالد أيام زمان : مدائح وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم وتعداد لصفاته، فقال كان في صلالة شيخ يجيد التواشيح، فقلت لو انني عرفته لاحتفلت بالمولد على هذه الطريقة.  وكانت المفاجأة أن الشيخ ربيع اخبرني بعدها بأسبوع تقريباً عن وجود شيخ ثاني عنده هذه الموهبة، فعقدتُ العزم على الاحتفال بالمولد، وقد كان.

كانت تربطني علاقة بالشيخ قدري (عبد القادر الشربيني) جديدة لأننا كنا سنِحُج سوياً هذه السنة ولكن شاءت الظروف غير ذلك، وذهبت مع شركة أخرى، لكني بقيت على تواصل معه بعد أن عرفت بصوته الرائع بتجويد القرآن، وداومت على صلاة الفجر والعشاء معه حيث لاحظت أنه كان يقرأ بطريقة ختم القرآن؛ اتصلت به وناقشت معه الفكرة فرحب بها وناقشت معه طريقة إخراج الحفل فقد كنت أريده حفلاً جاداً و ليس مجرد لقاء فقط.  ونصحني (وكنت سأفعل ذلك طبعا) بالترتيب مع الشيخ محمود غريب للتنسيق مع المشايخ الآخرين. وهكذا كان المولد الأول. وبالمناسبة فإن أبا اقبال قد بادر هو الآخر بعد المولد بعمل حفل آخر بعد ما رأى روعة المولد عندي.  

لقد رتب للمولد الأول بشكلٍ رائع كما قال المشايخ بعد ذلك و على المنبر قال الشيخ محمود باليوم التالي : لقد سهرتُ سهرة بحب المصطفى صلى الله عليه و سلم ما سهرتها بصلالة منذ وصولي لها".  أحضرتُ آلة التسجيل ورتبت لعشاء (القبولي العماني مع ذبيحتين) ودعوت الكثير من الإخوة لهذا الحفل، فقد هدفت لأن أسُن سنة حميدة بهذا المجال. فقد حضر السادة الشيوخ وتفاجأوا بأنهم ليسوا الوحيدين. وقد كان هناك ضيوف ثابتين بالمولد، وحرصت على دعوة كل باسمه على عدد الكراسي حيث كنت أرتب ل 25 شخص بالمولد، وإذا اعتذر احدهم أدعو شخصاً آخر فقد كنت اريدها ليلة لا تنسى بحبه عليه الصلاة والسلام. والحضور الدائمون هم الشيخ محمود غريب والشيخ قدري والشيخ عبد المنعم هارون والشيخ محمود عبده والشيخ ربيع والشيخ بدر شيخ التواشيح والشيح محمد عودة والشيخ خديوي وكذلك الأستاذ أبو اقبال والدكتور جمال الدليمي والأخ محمد الجراح (أردني). وكنت أدعو جيراني من الجالية العراقية فليس من المعقول تجاوزهم بيوم كهذا وكانوا يحضرون. طبعا هناك أشخاص حضروا وذهبوا ولكنهم لم يكونوا دائمين. وفي اللقاء الأخير الذي كان كذلك عقيقة لولدي أحمد تمثلت الأمم المتحده بالحضور بعد أن كانت الجامعة العربية فقط، فقد حضر هذا الولد الأخ لورنس و هو مسلم أمريكي.

جرت العادة أن يكون عريف الحفل أو مدير الندوة أحد الأفاضل الشيوخ وقد كان الشيخ ربيع هو مديرها لمولدين: فيقدم للمناسبة ويعطي الشيخ قدري المسجل فيقرأ ما تيسر من القرآن الكريم بصوته الشجي، ثم يتحدث الشيخ عبد المعنم هارون بأسلوبه الساحر ومواضيعه الاجتماعية التي يستغل المناسبة لتمريرها، وكذلك يتحدث البحر الذي لا ينضب؛ إذا بدأ لا تحسبه سينهي حديثه في ساعات وهو الشيخ خديوي هذا الأديب الفذ الذي يتحدث وكأنه يقرأ من كتاب فلا تمل له حديثاً أبداً.  ويكون مسك الختام التواشيح التي يسحرنا الشيخ بدر أمير بارك الله فيه فنشاركه بالصلاة على الرسول وترديد اللازمة كذلك. وكذلك الشيخ محمد عوده الذي كان مفاجأة اللقاء الأخير فقد اعتد الحضور على الشيخ بدر أما هو فكان إضافة فعلاً.  وننتهي بشكر لهم جميعاً .  أنسخ الشريط بعدها نسخاً بعدد الموجود وأوزعه على الحضور بنفس الأسبوع.

بعد الانتهاء من مراسم المولد تتحفنا أم محمد بصواني الكنافة التي تجيد صنعها بشكل لا يقل جودة عن كنافة المحلات بأربد، بشهادة من ذاقها، وهم كُثر بالمناسبه، وليس حاضري المولد فقط، فعادة ما تكون الكنافة خاتمة الزيارات والمناسبات عندنا.       

المهم بذهاب سيدنا الشيخ محمود تغير كل شيء، ورغم قدرة السادة الشيوخ جميعاً وفضلهم علينا إلا أن للشيخ محمود غريب كاريزما مختلفة لا يشغلها غيره، فقد كان كما قال الشاعر:
لا جلست إلى قوم أحدثهم       إلا كنت حديثي بين جلاسي
هذا ما كتبته على مدونتي التي خصصت لها صفحة لفضيلة الشيخ محمود "اليوم هو الجمعة 9 / 9 / 2011 غادرنا الشيخ محمود غريب إلى مصر منهياً خدمة فاقت الثلاثين عاماً بصلالة.  هذا اليوم سنصلي الجمعة ونعود إلى بيوتنا كما يعود باقي المصلين دون تأخير، فلا ندوة أسئلة ولا جلسة بعد الصلاة مع سيدنا الشيخ.
وإن كنا نفتقد الشيخ إلا أننا نتمنى له حياة سعيدة بمصر"
الفاتحة لروحه الطيبة
الموالد العمانية

وحتى لا تكون الصورة مصرية فقد تعرفت على مسجد يقام فيه المولد كل يوم خميس، حيث يقوم الشيخ سعيد الرواس بقراءة كتاب المولد وفيه بعض الأناشيد التي يداولها الناس بهذه المناسبة طبعا.  ويشاركة من كان يحضر القراءة، ولكني لا حظت أولاده الصغار يقرأوون قراءة يعجز عنها الكبار، وقد أصبحوا شبابا، وهم مطيعون لوالدهم حيث يفهمون عليه بالإشارة.

وعندما نصل إلى محل القيام نقوم لننشد يا نبي سلام عليك بينما يقوم اولاد الشيخ برش العطور علينا وإدارة البخور. وعندما ننهي النشيد ونجلس يدور علينا أحدهم بصحن حلوى ويقوم المؤذن بصب القهوة العمانية. وكان الشيخ ينهي المولد بالدعاء للحضور بالتوفيق ولأمواتهم بالمغفرة ببركة الرسول الكريم.

مسجد عقيل

 عند بداية شهر ربيع الول شهر مولده صلى الله عليه وسلم يكون الاحتفال الأكبر بمسجد عقيل بصلالة وهو مبني على الطريقة القديمة، حيث يتجمع الناس وأغلبهم من قبيلة السادة لقراءة المولد من قبل المشايخ وغالبا ما يكون الشيخ الحبيب من اليمن ضيفاً عليهم. ويكون هذا المولد أكثر طولا من المولد الذي كنا نقرأه بمسجد الشيخ سعيد الرواس.

يعقب هذا المولد وجبة عشاء كبرى يدعون إليها كل ما حضر للمجلس فيلبيها من يسمح ظرفه ومن كان في عجلة من أمره كحالتي يكتفي ببركة الدعاء وشرف الحضور وينصرف. ولم يقدر لي حضور المولد في هذا المسجد أكثر من مرة واحدة. في حين أني حضرت المولد مع الشيخ سعيد أكثر من مرة وشاركتهم القراءة مراراً، وقد سجلت فيديو ورفعته إلى اليويتوب وعنوانه " يا نبي سلام عليك  من صلالة".

كل عام وأنتم بخير

صلى الله على محمد

صلى الله عليه وسلم. 




الاثنين، 20 فبراير 2017

تابع

أصحاب الفضيلة المشايخ الآخرين

لا بد لي ومن باب الإنصاف كذلك أن أشير إلى باقي أصحاب الفضيلة الآخرين والأصدقاء الذين تشرفت بمعرفتهم وهم فضيلة الشيخ ربيع إمام مسجد سلمان الفارسي والشيخ خديوي إمام مسجد الشنفري والشيخ عبد المنعم هارون إمام مسجد بامزروع الذي انتقل إلى رحمة الله بعد الشيخ محمود غريب بأسبوعين أو ثلاث بمصر، والشيخ محمود عبده إمام مسجد الهدى، والشيخ عبد القادر الشربيني ( الشيخ قدري) صاحب الصوت الرائع وهو مقرئ الإذاعة والتلفزيون المصري والشيخ بدر بمسجد الجامع صاحب التواشيح الدينية إضافة لكونه مقرئاً للقرآن كذلك،  والشيخ محمد عودة إمام مسجد الغساني، ولا ننسى السليمانين.

هناك أصدقاء أردنيين كثر أدخلتهم على المجال الديني ولكن لم ألمس فيهم رغبتهم بالاستمرار بهذا المجال، أما ألأصدقاء غير الأردنيين الذين تواصلوا معي بالمجال الديني إضافة للصداقة الشخصية  فيتقدمهم الدكتور جمال داوود الدليمي (ابو خالد) من العراق الشقيق، فبعد أن عرفته على الشيخ محمود أصبح من الموظبين على الحضور أكثر مني لدروس الثلاثاء، إلى أن انتقل للعمل في مملكة البحرين في جامعة الخليج.  بقينا على تواصل معه إلى أن خفت تدريجياً لانشغال الجميع بأمور الدنيا.

كذلك كان الأستاذ مروان العطية (أبو اقبال) من دير الزور بسوريا الشقيقة هو الآخر من الذي عرفتهم على أسيادنا المشايخ مع الدكتور جمال حيث كانا يعملان سويا. وقد أصبح الاستاذ مروان كذلك صديقا للمشايخ، لقد بل تطورت العلاقة بينهم إلى أن أصبحوا يتزاورون بدون أن أعلم إلا إذا رأيت اصحاب الفضيلة في المصعد صعوداً أو هبوطاً فأعرف أنهم كانوا بزيارة لإبي أقبال.  وقد شجع على هذه التواصل بينهم عدة أمور أهمها أن الأستاذ مروان كان يشرف على بعض المواقع الألكترونية وكان ينشر مقالات الشيخ محمود على هذه المواقع، ويأتيه بالأخبار باليوم التالي عن عدد القرّاء لمقاله فتأخذه النشوة ويذكر هذا باليوم التالي بخطبة الجمعة.  كذلك كان لعلاقة الأستاذ مروان العطية ببعض دور النشر والمكتبات فتزود أسيادنا المشايخ بالكتب الكثيرة وكانوا يثنون على ذلك كثيراً.  وكثيراً ما كان الشيخ محمود يثني على أبو اقبال باعتباره عالم كبير، وهو لا شك بأنه عالم ويحفظ من التراثيات والمواقف الدينية الكثير الكثير مما جعله مرجعاً لهم في هذه الأمور ويحكي لنا الطرائف عن هذا ومنها مثلا أن الحجاج بن يوسف الثقفي وأثناء استعداده لركوب حصانه بالجيش سأله أحدهم عن عدد كلمات "لكن" في القرآن الكريم ،  وكانت رجله في حلقة السرج، فارتفع على ظهر جواده وقال بعد أن استوى على ظهر الجواد  للسائل : لقد استعرضتُ نصف القرآن فلم أجد فعليك بالنصف الآخر. وهذا يعني أنه استعرض نصف القرآن في زمن ركوب جواده.  فأبو اقبال كان مرجعهم في مثل هذه المواقف وهو فعلاً عالم جليل باللغة العربية وما يتعلق فيها من مواقف. وقد قال الشيخ عبد المنعم هارون أن أبا إقبال هو من أخبره باسم من اختصر عبارة صلى الله عليه و سلم ب (صلعم).  فعلاقة أبو إقبال مع المشايخ كانت من هذا الباب. وكان الشيخ محمود يبادل الجميل بالجميل، فكان يشيد بأبي إقبال بالمسجد وبدروس الثلاثاء وندوة الأسئلة، وكثيراً ما كان يقول أن صلالة خسرت هذا العالم الكبير.  وقد استمرت علاقة أبي إقبال حتى بعد انتهت خدماته من صلالة وعاد الى سوريا، فظلا على تواصل بالتلفون.

لا بد هنا من التوقف عند الشيخ ياسر الخطيب وهو شخص متعدد المواهب تعرفت عليه في مسجد الشيخ محمود.  هذا الشخص يدخل قلبك حبه بالوهلة الأولى، وهذا جزء من محبة الله له.  لقد عرفته بالبداية فن ندوة الأسئلة بالمسجد، وتذكرت أنني أرى هذا الرجل في مناسبات معينة وهي دفن الموتى، وكنت أعتقد أن هذه مهنته بالبداية إلى أن اتضحت الصورة لاحقا فهو يقوم بها لوجه الله فقط، إذا علم بمسلم توفى يبادر هو بالذهاب إلى المسجد فيغسل الميت ويكفنه ويشارك بتشييعه إلى المقبرة ويدفنه لوحده أو بمشاركة بعض الأشخاص وكل هذا لوجه الله، وقد كانت الناس تتبرع بالأكفان للأشخاص لديه، فإذا تعذر الحصول على الكفن تجده لديه. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الشيخ محمود وبعد أن تقدم به العمر كان يمازح الشيخ ياسر الخطيب قائلا "روح  يا شيخ ربنا يغنينا عن خدماتك" إشارة لخدماته مع الموتى، وكنا نضحك كثيراً لهذا.

و بعد أن توطدت علاقتي به سمعت أنه يمارس الحجامة المرخصة وقد افتتح لهذا "مركز البشرى للحجامة". وقد ذهبت إليه مرة واحتجمت هناك فهو ماهر في هذه المهنة ويدلك على التوقيت الشرعي المناسب للحجامة عندما تخبره بأنك تريد أن تحتجم إقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
كذلك هو صاحب علم وكانت له مداخلات مفيدة بندوة الأسئلة بمسجد المعشني مع الشيخ محمود غريب

الخميس، 16 فبراير 2017

تابع

ندوة الأسئلة

 وكانت ندوة الأسئلة التي يعقدها بعد صلاة الجمعة؛ يجيب فيها فضيلته على أسئلة الإخوة المصلين، حيث يجلس على كرسي بعد صلاة الجمعة ويحمل مايكرفونا ويقول ابن الحلال يفتح الباب والعاشق بجمال النبي يصلي عليه، فيبادره أحد الإخوة الحضور بسؤال فيجيب، وهكذا إلى أن تنتهي الندوة بعد نصف ساعة تقريباً، وكانت هذه الندوة أسبوعية إلى أن صدرت تعليمات بوقفها عندما انتشرت أخبار عن انفلونزا الخنازير ثم عادت من جديد.

لقد كان لهذه الندوة فوائد عديدة عادت عليّ شخصياً وعلى غيري من الحضور بالنفع والفائدة، فقد ازداد وعيي وإدراكي لأمور كثيرة بالدين نتيجة التناول العقلاني لسيدنا الشيخ للمسائل الدينية ومشاكل العصر، وكثيراً ما ينهج نهج الشيخ الشعراوي بالشرح.  وكان فضيلته يشير الى دور علماء كبار مروا بصلالة وتعرف عليهم هو شخصياً، ومنهم من عرفت و منهم من لم أعرف، فكان كثيرا ما يشير الى الدكتور أحمد كريمة من كلية التربية الذي جاءنا معزيا بوفاة الملك حسين رحمه الله.

كذلك هناك دور مهم لهذه الندوة  وهو دور اجتماعي، فقد تشكلت مجموعة أصدقاء يعرف بعضنا بعضاً ويسأل عنه إن غاب، فقد عرفت الكثير بالشكل والصورة ففي ندوات كهذه يجتمع بها الحضور على حب الله ورسوله تصبح الأسماء غير مهمة. وبالمناسبة وبعد انقطاعنا عن مسجد المعشني لأنني (شخصيا) ما أحببت أن أرى شيخا آخر يجلس مكان سيدنا الشيخ محمود، تشتتنا بالمساجد وتفرقنا، وإذا صادف أحدنا الآخر يسلم عليه سلام الأخوة ويسأل عن أخباره ويتحسر على أيام الشيخ محمود يرحمه الله.

صورة مع  الأخ الكريم وأظن أن اسمه المهندس علي والذي كان يحرص على تسجيل لقاءات سيدنا الشيخ محمود صوتاً وصورة، جزاه الله كل خير.

درس الثلاثاء

اعتدنا على حضور درس الثلاثاء للتفسير القرآني بالمسجد وكان بعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، يجلس فيه الشيخ  على كرسي أو على الأرض ويأخذنا بعالم القرآن وسحر بيانه متنقلا من روضة إلى روضة ومن زهرة إلى أخرى، يطوف بنا بالتفسير العادي ويأخذنا إلى ما بعد التفسير ويربط الآيات بعضها ببعض فتخال نفسك أمام سيدنا الشيخ الشعراوي.  وهنا لا بد من الإشارة إلى أني فهمي للكثير من النصوص وخروجه في بعض المرات عن الفهم السطحي هو نتيجة متابعاتي لدروس الشيخ الشعراوي منذ زمن وما أفاض الله به على فضيلة الشيخ محمود غريب من تفسير.  وهذا يؤكد أن القرآن الذي جاء اعجازه في سحره اللغوي لا يسبر غوره إلا عالم بأسرار اللغة العربية كأسيادنا علماء الأزهر الشريف.

نشطات أخرى لسيدنا الشيخ

لم تقتصر نشاطات سيدنا الشيخ على ندوة الأسئلة ودرس الثلاثاء إنما تجاوزها إلى أبعد من ذلك كتسجيل القرآن الكريم مجانا, حيث كان يقوم به سيدنا الشيخ شخصياً ببداية الأمر أيام الشباب ثم تولى ابنه مصطفى بارك الله فيه هذه المهمة قبل ان يلتحق بعمله بمصر ليقوم بهذه المهمة بعد ذلك أحباب الشيخ من أصدقائه الكثر.  وهنا لا بد لي من وقفه عن مصطفى بارك الله به و هي إضافاته لنا برمضان وبعد صلاة التراويح حيث نجده وقد جهز عصير السوس فنشرب ونمازحه وندعو له بالتوفيق ولسيدنا الشيخ بطول العمر.
كذلك كان الشيخ يشير كثيراً إلى كتبه من سلسة هذا نبيك يا ولدي ، وسورة الواقعة و منهجها بالعقائد، وحتى لا نخطئ فهم القرآن والجنس ضرورة وضرر، والطلاق وتحسبونه هيناً.  وينتفض كالأسد الهصور عندما يسمع على التلفاز أو ينقل له أحد الإخوة خبراً عن إساءة للدين أو للرسول الكريم، فيسطر المقالات المتنوعة دفاعا عنه صلى الله عليه وسلم.  و قد واضب على إرسال المقالات إلى المسجد حتى بعد مغادرته السلطنة .

كذلك لم يبخل سيدنا الشيخ على المؤسسات التعليمية بصلالة بعلمه فكان يلبي كل دعوة للإلقاء المحاضرات، ويسجلها وينشرها بتبرع من محبي الدين، و قد شرفني الله بجزء من هذا الشرف حيث طبعت ستين شريطاً لمحاضرته التي القاه بالكلية التقنية بصلالة عن الأخلاق بالإسلام.  وكانت له محاضرة رائعة بجامعة ظفار بعنوان " الا رسول الله".

و قد كان للشيخ حديث ثابت على التلفزيون العماني ودرس آخر بمسجد المعشني المقابل للسوق الشعبي كل يوم خميس بعد صلاة الظهر بالإضافة طبعا لدروسه بجامع المعشني الأساسي والجامع المعين به هو من قبل الديوان السلطاني.

وللشيخ أسلوب سلس سهل الفهم عميق المعنى يعالج به طروحاته سواء بندوة الأسئلة أو المحاضرات أو البرامج التلفزيونية وقد شهد له كل من سمعه بالعلم.  ولفضيلة الشيخ حس مرهف وروح فكاهية مصرية صرفة يضاف إليها الروح الأزهرية،  وكثيراً ما كان يضحكنا عندما كان يقفل المايكروفون ليقول تعليقا عن النساء حتى لا تسمعه النساء بجناح النساء ويخشى أن يعجب النساء، فيقول "أنا قفلت المايكروفون على شانكم لأني خايف عليكم، أصل الكلام ده لو سمعوه الستات مش حيخلكوا تصلوا معايا الجمعة الجاية" فنضحك جميعاً وأعرف طبعا من زوجتي أنهن كن يسمعن ما يقوله فضيلة الشيخ. وكذلك كان يدعي عدم سماع السؤال عندما يُسال سؤالا خارج الطريق كما يقولون فيقول "ايه، مش سامع، أوول تاني" فأتدخل أنا أو أحد الحضور عند صاحب السؤال للتوضيح بالإشارة أن هذا السؤال خارج اختصاص سيدنا الشيخ. وفي بداية كل ندوه وبعد الافتتاحية يقول "هاه، السؤال الأول فعندما لا يجد سؤالاً يقول " طيب السؤال الثاني".  وبالمناسبة كان يفتتح معظم الأسئلة الأستاذ مراد وهو محاسب قديم من مصر، وكان يضحكنا كثيرا عندما يتطوع فيتفتي فيقول فضيلة الشيخ هكذا أفتى المحاسب. 

لفضيلة الشخ محمود افتقدناه جسداً ولكنه ما فارقنا روحاً وعلماً وهو معنا بأشرطتة التي تصاحبنا في سياراتنا. فبارك الله فيه ونفع به المسلمين. هذا شيخ لم يأخذ حقه من الدنيا ولكن " ما عند الله خيرٌ و أبقى".

بارك الله لسيدنا الشيخ بعلمه وجزاه الله عنا خير الجزاء.   انتقل الشيخ الى الرفيق الأعلى بمصر، فنعيته على الفيس بوك وسجلت فيديو عن مسجد المعشني ونشاطات الشيخ محمد عليه رحمات الله ورفعته على اليوتيوب بعنوان " الشيخ محمود غريب في صلالة" و الفيديو  بصوتي. رحمه الله سيدنا الشيخ محمود. 


الثلاثاء، 14 فبراير 2017

تابع

أسيادنا المشايخ

بدت عليَّ ظاهرة منذ الصغر و هي حبي لشيوخ الدين و محاولة التقرب منهم للأستفادة من علمهم، وكنت منذ الصغر أحرص في غالب الأحيان أو أوصل الشيخ محمد الخطيب رحمه إلى بيته بجديتا لأنه كان ضريراً؛ طبعا لم يكن يحتاج الشيخ لهذه المساعدة لأنه رحمه الله كان أكثر بصيرة من كثير من المبصرين، ورويت عنه أكثر من رواية حول قوة إدراكه للأمور التي يعجز عنها المبصرون ومنها مثلاً رواية أنه أخذ بيد أحد المبصرين إلى بيته ( بيت المبصر) لأن هذا المبصر ولشدة الظلمة وفي ليلة من ليالي الشتاء شديدة السواد اختلط عليه الأمر عند خروجه من تعليلة بالمضافة، ولم يستدل على بيته، وقد سألته رحمه الله عن هذه الرواية فأيدها .  وقد بقيت هذه الظاهرة معي حتى عندما ذهبت إلى دير أبي سعيد لإكمال دراستي الثانوية فتعرفت على بعض المشايخ هناك، لكن هذه الظاهرة  أختفت بصويلح أثناء دراستي الجامعية ربما لأنني كنت أصلي بالبيت و لم أكن مواظبا على صلاة الجماعة بالمسجد. 

عند حضوري لصلالة ثارت هذه النزعة مجدداً، فأصبحت أبحث عن الشيوخ ولهذا تنقلت من مسجد لمسجد ، وكان السبب إضافة لنوعية الخطبه هو محاولة مصادقة أحد الشيوخ، فلم أجد.  وربما يعود السبب أنني لم أكن أعرف كيفية الدخول إلى هذا العالم،  ففي الغربة يكون الجميع حذرا من الجميع لهذا قلّ أن تجد من يفتح لك قلبه لمجرد أنه رأى بك خيراً أو رغبة بمصادقته، إذ يبرز السؤال " أشمعنى اختارني دونا عن باقي الخلق"؛ نعم هو عالَم لمن يجهله،  فالشيوخ هم أصدقاء الخير وهم كحامل المسك الذي إن لم تستفد منه مباشرة فأنك تنال منه الريح الطيب، وهي في هذه الحالة السمعة الطيبة، فالمرء على دين خليله، و يُحشر المرء مع من أحب، وعلاقتي بهم كانت بهذا الاتجاه، حيث كنت أرى فيهم المثالية، وأغضب منهم في بعض المرات وأصارح بعضهم في بعض الأحيان عندما أرى سلوكا لا يعجبني أو استغربه، فيقول لي يا أخي إنما نحن بشر؛ أقبل التبرير وأعرف أنهم بشر ولكنني  كنت أريدهم بدرجة عليا من البشر.

كانت بداية معرفتي بأسيادنا المشايخ بعقيقة لإبنة الدكتور محمد مصطفى رضوان عليه رحمات الله حيث كان زميلي بالكلية المتوسطة للمعلمين مدرساً للغة العربية،  فقد دعانا ذات يوم الى غداء بمناسبة عقيقة لأبنته المولدة حديثا، فذهبنا.  إن أجمل  ما في الجلسة بالإضافة إلى معرفتنا بأسيادنا هو التعرف على جانب مشرق من حياة الإخوة المصريين.  كان الغداء هو (الفَتّة) المصرية، و هي عبارة عن الخبز مقطعاً ويسكب عليه شراب الطماطم الحار كملين للخبز، فأعادتني سنوات إلى الوراء  بالأردن عندما كان البعض يستعمل هذا كتشريب للمناسف لظروف مادية.  كذلك لوحظ أن اللحمة يتم توزيعها بالعدد حيث يجب أن ينال كل فرد من المدعوين  قطعة لحم واحدة.  هنا رأيت البركة بعينها؛ فالجميع أكل وشبع وحمد الله و أثنى عليه.

 كذلك لاحظت حرص الإخوة المصريين بذلك الوقت على توثيق هذه المناسبات بالصوت والصورة حيث كان هناك تسجيل فيديو للحفلة واثناء ذلك دار المايكرفون على الجميع ليقول كل واحد تهنئة للدكتور بمناسبة المولودة، فدعونا لها بطولة العمر وشكرنا الزميل الكريم.

 وكان مسك الختام روائع أسيادنا المشايخ، فقرأوا القرآن ولأول مرة في حياتي أسمع القرآن مجوّداً من القارىء مباشرة وليس من الراديو أو التلفاز، فسماع القرآن مباشرة يجعلك تحلق مع كل آية منه.  هناك شاهدت سيدنا الشيخ محمود غريب عن قرب أيام كان شاباً, وأعجبتني روحه المرحة، فلم أكن قد تعرفت بعد على روائعة الدينية، وقد لاحظت أنه كان يحظى باحترام الجميع وتقديره.  وسمعنا المرحوم الشيخ وجيه وهو قارئ متميز وكان يعمل بالديوان السلطاني، لكن الذي أعجبني بالقراءة هو ذاك الشيخ الجليل الذي نسيت اسمه حيث كان بالإضافة إلى كونه قارئا رائعاً إلا أنه أيضا كان يقلد المقرئين الآخرين.  فكان الشيوخ يقولون له " والنبي حتة من الشيخ الحصري" وياريت تسمعنا  الآية الفلانية ازاي بيقراها عبد الباسط ...." إلى آخر ذلك من المقرئين رحمهم الله. وكانوا يتحفونه بعبارات ( الله الله، ربنا يفتح عليك، الله الله يا سيدنا) وهو يتجلى أكثر فأكثر محلقاً في عالم القرآن الكريم.  ويا لقراءة القرآن من قارئ مصري بشكل شخصي وليس أمام شاشة التلفزيون أو من المذياع، فقد أصبحت ومنذ ذلك التاريخ من المؤمنين بمقولة أن القرآن نزل بمكة و قُرئ  بمصر.   

كما أسلفت سابقاً لم أتمكن من متابعة علاقتي بأسيادنا المشايخ متصلة بسبب السكن الى أن شاءت إرادته تعالى أن نلتحق بركبهم وخاصة بعد الحج بعام 2001؛ صليت الجمعة بمسجد المعشني مع الشيخ محمود غريب وكانت بداية حقيقية دامت إلى أن شاءت ارادة الله تعالي أن تنتهي خدمات الشيخ الجليل ويعود إلى بلده، لكني لاحظت أن الشيخ محمود بالمرة الثانية التي التقيته بها لم يكن هو نفسه الشيخ الذي رأيته ببداية التسعينيات فقد بدا عليه الكبر، وبدا متعباً رغم محاولته إخفاء ذلك بسبب وفاة زوجته عليها رحمات الله، فقد تركت وفاتها أثراً كبيراً في حياته، وظل يذكرها بالخير بكل مناسبة يأتي ذكرها.


الفاتحة لروح الشيخ محمود غريب.
 
وقد حرصتُ منذ بداية علاقتي معه أن أذكِّره بجلسة الدكتور محمد مصطفى رضوان رحمه الله وكان يذكرها إلا نه كان ينسى جنسيتي كثيراً وأخيراً استقر الوضع عنده أنني عراقي من فرط حبه للعراق التي قضى بها ثمان سنوات قبل مجيئه لصلالة، ونادراً ما كانت تمر جلسة لا يعرج بها الشيخ على العراق وطيبة أهله وحبهم له وتقديرهم لجهوده بالعراق بجامع البنية الذي كان يخطب به، وأنا أشهد له بصدق رواياته لأنني سمعتها بنفسي من زميل عراقي حضر لصلالة ضيفاً ذات مرة.  وبعد أن توطدت العلاقة بيننا رسخ بذهنه أنني أردني، واستمر حبل الود بيننا، فكنتُ من المواظبين على حضور ندوة الأسئلة بعد صلاة الجمعة، ودروس الثلاثاء للتفسير، وكان له حلقات مسجلة على التلفزيون العماني، إضافة لظهوره على قناة البغدادية ليتحدث بها عن ذكرياته بالعراق.

ومن الملاحظ على سيدنا الشيخ محمود هو أنه كلما تقدم به العمر زاد نشاطه وشبابه الدعوي، فما أن يصعد المنبر حتى تراه شاباً متسلسل الأفكار وثري المعلومات، يقف منتصباً لا يستند إلى عصا إلى أن وضعوا له منصة أمامه فأصبح يستند اليها بالفترة الأخيرة.  وكان لا يتردد بتلبية أى دعوة توجه له لإلقاء محاضرة دينية هنا أو هناك مثل الكلية التقينة التي ألقى بها محاضرة حول الاخلاق بالإسلام، ومحاضرة بجامعة ظفار بعنوان ( الا رسول الله).  وهو صاحب مشروع كلنا بخدمة النبي وهبه لكتابة مقالاته المتنوعه التي يحدثنا بها عن تجربته بالدعوة، وقد كتب العديد من الكتب.


إلا أنه كان يؤخذ عليه من قبل من كان يسميهم (الصغار) أنه يكثر الحديث عن نفسه، ويستغرب لهذا الطرح وهذه التهمة ويقول (أنا أتحدث عن تجاربي بالدعوة، فلماذا يغضبون؟) حيث أنه كان يستشهد عند كل موقف بحادثة حدثت معه، وكان يضحك من هذه التهمة ويقول ( عندما يسمعوني أقول : أنا ابن جلا و طلاع الثنيا يبأوا يزعلوا).   

الاثنين، 13 فبراير 2017

الجانب الاجتماعي للمساجد

الجانب الاجتماعي للمساجد بصلالة

لا بد من المرور على هذا الجانب المهم، فالمساجد لها دور اجتماعي بالإضافة للجانب الديني طبعا، ويتلخص هذا الجانب بأمرين اثنين :


عقد القِران
لم أسمع بعقد قران بصلالة تم خارج المسجد ولا أدري هل هو قانون أو عرف أو طمعاً بالبركة. والذي استغربته أول وصولي لصلالة هو أن الإعلان عن الأعراس يتم أيضاً بسماعة المسجد وكنت اسأل الا تستعملون البطاقات للدعوة؟  فقالوا نستعملها لكن الإعلان بالمساجد المختلفة هو حتى نضمن وصول الدعوة إلى أكبر عدد ممكن من الأفراد ولهذا كانت الدعوات تنتهي بعبارة والدعوة عامة.  و بعد عقد القران ينطلق المدعوون لهذا العقد الى دار العريس لإتمام مراسم الفرح.

صلاة الجنازة

كذلك يحرص الجميع على إخراج الجنازات من المسجد وخاصة المساجد الكبيرة القريبة من المقبرة.  وقبل الصلاة على الجنازة التي تكون بعد صلاة الفريضة يقوم أهل الميت وقوفاً لتقبل العزاء من الأصدقاء وباقي أفراد القبيلة، وهذا يكون مقدمة لعزاء ما بعد الدفن. ويحرص الجميع على حضور صلاة الجنازة والدفن.  ولم نكن نستغرب غياب بعض الموظفين أو الطلاب عن الدوام لأنه عندهم حالة وفاة، وليس بالضرورة أن تكون وفاة من الدرجة الأولى، إذ يكفي أن يكون  الميت من القبيلة أو قريب أحد الأصدقاء حتى يخرج الموظف من الدوام لحضور الدفن والقيام بواجب العزاء.

الاثنين، 6 فبراير 2017

صلاة وخطبة الجمعة.

صلاة الجمعة

لا تختلف طقوس صلاة الجمعة في صلالة عن طقوسها عندنا بالأردن، فالحضور الى المسجد خاصة بالنسبة للشياب (الختيارية ) يبدأ مبكراً عند البعض طلباً لأجر البكور إلى المسجد أو رغبة منهم في الحصول على موقعهم الأسبوعي المفضل بالصف الأول، حتى أصبحت تعرف هذه الأماكن بأسماء أصحابها، ويتم السؤال عن الشخص من باب الاطمئنان إذا لم يحضر.  ومن الطريف بالأمر أنني سمعت عند بداية دخولي إلى صلالة عن مسجد يطرد من الصف الأول من كان من خارج السرب، وبقيت هذه الفكرة عندي إلى أن شاءت الظروف وأصبحت أصلي في ذلك المسجد فاكتشفت أن القضية ليست طرداً بالمعنى الظاهر ولكنها تنبيه إلى أن هذا محجوز لأحد الناس دون أو يقولوا ذلك جهاراً، ولهذا كنت أحافظ على الصف الثاني في صلاة الجمعة والتراويح برمضان وأرفض الإنضمام إلى الصف الأول حتى لو دُعيت، وقد تنبه أحد الإخوة مرة إلى رفضي المتكرر حيث أنني أصبحت معروفا لديهم فطلب مني بحزم أبوي أن أتقدم للصف الأول فلم أشأ أن أرد طلبه احتراماً له.  لذلك تجد الصف الأول في هذا المسجد لبعض الشيّاب.  كذلك يحرص البعض على الحضور مبكرا للحصول الى عمود يستند اليه أثناء الخطبة.

لكن الاختلاف الرئيس بين الجمعة بالأردن والجمعة هنا (وهذا سبب لنا مفاجأة أدت الى ملل بالجمعة الأولى) أنه لا يوجد ما يعرف عندنا بالدرس الديني الذي يسبق أذان الظهر كما هو الحال عندنا. وقد حضرنا بأول جمعة مبكرين لنسمع الدرس فعرفنا أنه لا درس هنا، إنما تجلس الناس مهما بكّروا بانتظار الخطبة، وربما يقضي البعض وقته بقراءة القرآن.  وبالمناسبة لا يوجد بمساجد صلالة قراءة القرآن قبل الصلاة كما هو الحال بمساجدنا بالأردن، باستثناء مسجد الشنفري الرئيس الذي يقرأ فيه مقرئ من مصر مدة ربع ساعة قبل أذان الظهر يوم الجمعة وقبل أذان المغرب برمضان.

كذلك لا يوجد بعد الصلاة ما يُعرف عندنا بالأردن بختم الصلاة جهراً مع الإمام، إذ يكتفي الإمام بالجلوس دون أن ينبس ببنت شفهة يختم صلاته بنفسه متمتماً بأية الكرسي والتسابيح تاركاً المصلين كل يختم صلاته بطريقته، باستثناء مسجد الشنفري (الشيخ خديوي) الذي يرفع صوته قليلاً أثناء الختم والدعاء.  وبالمناسبة فإني قد سمعت الشيخ الشعراوي رحمه الله يقف ضد هذا الختم بصوت عالٍ أو أي نشاط يشغل المصلي عن صلاته وخاصة إذا كانت صلاة المسبوق، كذلك لم يؤيد ما يعرف بمصر بالتسابيح على السماعة قبل صلاة الفجر بفترة لأنها تزعج النائمين الذين لديهم أعمال صباح، وربما كان له نفس الموقف من قراءة القرآن على السماعات قبل صلاة الفجر كذلك كما هو الحال بالأردن.


خطبة الجمعة

كانت خطبة الجمعة عند حضورنا تختلف من مسجد إلى آخر، حيث يخطب كل خطيب على مزاجه بالمواضيع التي يراها مناسبة، لهذا كان التنافس على الحضور عند هذا الخطيب كما حدثتكم سابقا، وربما شطح بعض الخطباء بخطبهم لأنني عندما عدت إلى صلاة بعد عام 1997 وجدت الخُطَب مكتوبة من الوزارة وتوزع قبل الجمعة.  وقد كان بعض الخطباء يزيدون عليها ما يظنون أنه نقص هنا أو إضافة هناك باستثناء خطباء الجمعة العمانيين، مما حدا بالوزارة لأن تتابع بشكل جدي موضوع الإلتزام بهذه الخطب مع التأكيد أن يحملها الخطيب معه على المنبر.  وفي الحقيقة وبشكل شخصي لا أرى غضاضة بالالتزام بهذه الخطبة، فهي خطب دسمة كتبها علماء أجلاء ومنهم خطباء المساجد في صلالة، حيث كانوا يرسلون خطبهم للوزراة لتجعل منها بنكا للخطب وتختار منها حسب المناسبات.  عالعموم كان هذا إجراء حازما تم تنفيذه بشدة.  كذلك تم منع نقل الخطب والصلاة بأنواعها بما فيها صلاة العيد على السماعات الخارجية للمسجد، وهذا شكّل مشكلة لمن يأتي متأخراً للمسجد فلا يعرف إن كان الخطيب قد أنهى خطبته أو على وشك حتى يذهب لخطيب أخر لم ينهها بعد حتى تحسب له صلاة الجمعة.


السبت، 4 فبراير 2017

تابع

الفترة الثانية من 1997 الى الآن
عند رجوعي لصلالة عام 1997 صليت بعض الجُمع بالسعادة ثم انتقلت للسكن إلى صلالة فأصبحتُ أصلي الجمعة هناك وبالتحديد بجامع الهدى، وتأثرت عندما لم أجد الشيخ زمزم ووجدت مكانه رجل فاضل وهو الشيخ محمود عبده، وعلمتُ لاحقاً أنه ليس أزهرياً ولكنه درس القرآن والفقه بطريقته الخاصة، وهو خطيب جيد وله شعبيته. 

ثم انتقلت للسكن ببيت حمران بمنطقة القوف فقررت العودة لمسجد المعشني والإمام الشيخ محمود غريب الذي غادرنا إلى مصر بعد خدمة تجاوت الثلاثين عاماً في صلالة.  حاولتُ بالفترة الأخيرة أن أتنقل لمساجد أخرى طمعاً بالأجر عند بعض الإخوة المشايخ الذين تعرفنا عليهم لاحقاً وهم جميعاً أهل خير وعلم وبركة وهم الشيخ خديوي إمام مسجد الشنفري والشيخ ربيع إمام مسجد سلمان الفارسي والشيخ عبد المنعم ابراهيم إمام مسجد بامزروع. وسآتي على الحديث عنهم لاحقاً بشكل مفصل.

أتاح لي السكن ببيت حمران شرف معرفة أناس أفاضل وهم الدكتور جمال داود الدليمي من العراق والأستاذ مروان العطية حيث توطت العلاقة بشكل كبير وخاصة بعد أن عرفتهم على الشيخ محمود غريب . شاءت الظروف أن ينهي الدكتور جمال عقده مع جامعة ظفار وينتقل للعمل بمملكة البحرين ، وبقينا مع الأستاذ مروان العطية وهو من دير الزور و
كان يدرّس بالكلية الوطنية العمانية التي تحولت لجامعة ظفار.  وقد كانت للأستاذ مروان جهود كبيرة في نشر مقالات الشيخ محمود على المواقع الدينية التي يشرف عليها. والأستاذ مروان باحث و جهوده كبيرة في مجال اللغة العربية والثقافة الدينية على تلك المواقع. وكثيراً ما كان السادة المشايخ يقصدون بيته للحصول على الكتب و استشارته ببعض الجوانب اللغوية, وغالباً ما كان ينتج عن تلك الزيارت عشاء سوري طيب حيث تَعرّف السادة المشايخ  على أنوع الكبة السورية.  

صلاة الجماعة

كان حرص الجميع على أداء صلاة الجماعة واضحاً جداً لكل من دخل صلالة وتقرب من الناس فيها سواء من المواطنين أو المقيمين، وقد كان هذا أول مشاهداتي عندما دخلت الكلية المتوسطة للمعلمين، فعندما تحين موعد الصلاة تجد المكاتب فارغة لأن الجميع بالمسجد، فلا يبقى أحد بمكتبه، والسبب هو أن جميع الهيئة التدريسية من المسلمين، لهذا سيجد غير المثابر على صلاة الجماعة نفسه وحيداً فينخرط بالجماعة حتى لا يبقى شاذاً عن القاعدة.

هذا الحال تغير عندما التحقت بالكلية التقينة، إذ أن نسبة كبيرة من الهيئة التدريسة كانت من غير المسلمين، لهذا وجد من بعض الإخوة ممن يصلي بمكتبه أو عندما يعود للبيت.  أما عن الطاقم الإداري والطلبه فهم مواظبون على الصلاة بالمسجد رغم صغر مساحته.

فصلاة الجماعة بصلالة كانت سمة مميزه لهذا البلد الطيب. وبما أن الشيء بالشيء يذكر، أن الصلاة جماعة هي إما مع الإمام الراتب، أو تتشكل أتوماتيكياً بعد الصلاة الرئيسية، إذ أن المتأخر يختار أحد المصليين ويضع يده على كتفه إشارة للإقتداء به ثم يصلي وهكذاً.  لذلك ليس بمستغرب أن تجد نفسك مأموماً وإماماً بنفس الصلاة.  بارك الله بهذا البلد الطيب الذي كان له الأثر الأكبر بانضباطي بصلاة الجماعة وحرصي عليها. 

الجمعة، 3 فبراير 2017

تابع الوعي الديني

جمعتي الأولى  بصلالة

عند بداية الاستعداد للجمعة طرح السؤال التالي على رفيقنا الاستاذ جميل المناصرة " أين ستأخذ الشباب لصلالة الجمعة" فكان رده بأنه سيأخذنا لمسجد  قريب، وهنا دار الجدل الأردني عادة بمثل هذه المواقف وهو أنه هناك شيوخ جريئة وأخرى غير جريئة والصلاة عند من يملك الجرأة تختلف عن من لا يملك الجرأة ، وطبعا اختلفت المفاهيم هذه الأيام عن مفاهيم تلك الفترة، وقد ساعد على الحديث عن موضوع الجرأة أن المنطقة العربية ككل والخليجية كانت ما تزال تعاني من الغزو العراقي للكويت.  أخيراً وقع الاختيار على مسجد معاذ بن جبل بمنطقة العوقدين وكان الخطيب هو الشيخ أحمد الحسان والكل يستمع إلى ما يقول ولكني بصراحة وجدت الخطبة تلك  عادية جداً، ولا أدري كيف كان يتم تقييم جرأة الشيخ. بالمناسبة  وكجزء من تغيير المفاهيم التي تحدث للمرء بعد  بعد سن النضوج أجد أن خطبة الجمعة ليست لتهييج الناس أو لتكون بوقاً لجهة أو حزب معين إنما هي لمناقشة موضوع حياتي يهم أفراد المجتمع الذي يعيش به الحضور؛ فأنا أرى أولوية الحديث عن السرعة الزائدة التي تسبب الكوارث بمنطقة ما يتقدم على خطبة حماسية الهدف منه جمع التبرعات لجهة معينة بمكان ما.
استمر البحث  بالجُمع اللاحقة عن مسجد يمكن أن لا يكون تقليدياً ( هذا أفضل من القول مسجد به خطيب جريء)، وأخيراً قال أحدهم لماذا لا تأخذهم لمسجد الشيخ محمود غريب وهو  مصري الجنسية، فذهبنا ووجدناه مكتظا على الآخر، وزاد الأمر سوأ أن الشيخ (رحمه الله) كان يتأخر بالحضور للخطبة، أتحدث هنا عن فترة 1990 ،فلم يرق لي ذلك التأخير, طبعا أصبح الشيخ محمود صديقاً لي  لاحقا عندما حضرت لصلالة بالفترة الثانية من إقامتي فيها كما سأحدثكم في مكان آخر من هذا الفصل.

أخيراً توصلنا لفكرة أن المساجد  كلها لله، فليس المهم شيخاً بعينة بقدر أن نهتم باداء الفريضة، فصليتُ الجمعة بالمسجد الجامع لقربه من منطقة السكن ثم صليتُ بمجامع خالد بن الوليد عندما كان يخطب فيه الشيخ سعيد الرواس، ثم صلينا واستمرينا بذلك طيلة إقامتي الأول بمسجد الهدى أو مسجد حمدان نسبة لليشخ حمد حمود الغافري الذي اقامه.  وكان خطيب الجمعة هناك الشيخ زمزم من مصر الشقيقة ، وهو صاحب أسلوب شيق يتحدث بمختلف المواضيع ويدافع عن الفكرة إذا تحمس لها ويقول (دي حط تحتها 100 خط أحمر).  وكثيرا ما كنا نقول مسجد زمزم.