الفصل الأول
الجالية الأسيوية
سيكون الحديث في هذا الفصل عن الجالية الأسيوية وهم
الهنود والباكستانيين والبنغاليين والفلبيين في صلالة. فلا يمكن البحث في أي جانب
بدول الخليج عموماً دون التوقف عند ما يسمى بالعمالة الأسيوية. فهم أكثر من الهَم على القلب كما يقولون، وينقسمون
إلى ثلاثة أقسام:
1) العاملون بالقطاع العام (الحكومي) وهؤلاء ينطبق عليهم نظام الخدمة المدنية.
2) العاملون بالقطاع الخاص (الشركات) وهؤلاء حسب عقودهم.
3) العمالة السائلة أو السائبة التي لا تعمل تحت البند
الأول أو الثاني وهم كلهم من الجاليات الهندية والباكستانية والبنغالية. ويتم دخول هؤلاء إلى السلطنة تحت مسمى شركات لأغراض
خاصة مثلاً ثم تنتهي الشركة ولا يتم تسفيرهم، فتبقى معهم الفيزا يدفعون مقابلها
مبلغاً من المال للأرباب. وكلمة أرباب هنا تعني صاحب العمل أو الكفيل. وهذا النوع
من العمالة تجده مطارداً من الشرطة لأنهم يعملون مع غير الكفيل أو بعمل لا يتوافق
مع ما هو مكتوب بالفيزاء. فهم يظهرون ويختفون.
وسيكون الحديث هنا عن النوع الثالث "العمالة السائلة"
وهم الهنود والباكستانيين والبنغاليين. وهم كالعمالة المصرية عندنا بالأردن
ويعملون ما تطلبه منهم ولو لم يكونوا مهرة فيه (بتوع كله) ويتقاضون أجرهم اليومي
ثم يذهبون كالذين نشهدهم بالساحات يهجمون على كل سيارة عارضين خدماتهم. وهؤلاء رزقهم كل يوم بيوم؛ فإذا عملوا كان
الرزق؛ وإن لم يجدوا عملاً يكون رزقنا ورزقهم على الله.
وهذه الجالية عموماً بأنواعها الثلاثة مريحة جداً ومطلوبة
للجانب العُماني لعدة أسباب أهمها الانضباط في عملهم وخاصة بمواعيد الحضور
والإنصراف، وهذا ما يهم أصحاب العمل أحيانا للحفاظ على الشكل العام للدوام. وهناك
سبب ثان لحبهم لهم وهي الطاعة العمياء فهم ينفذون دون مناقشة إذا صدرت لهم
التعليمات بذلك.
لكني كنت أشعر بنوع من العاطفة من الإخوة من أهل صلالة
تجاه هذا الجالية بالتحديد بخلاف الجاليات الأسيوية الأخرى؛ فالقضية ليست قضية عمل
فحسب بل هناك نوع من الحنان (الحِنيّة)
تجاههم. فالهنود بالنسبة لهم مساكين (رغم
أن غالبيتهم ليسوا كذلك) فمهما علا شأن الهندي مؤهلاً وراتباً فهو بالنسبة لهم "مسكين"،
وأذكر أن أحدهم (رحمه الله) سألني ذات مرة عن زميل بالكلية كان يسكن بنفس العمارة
معنا " كيف هالمسكين معاكم؟" فقلت له أي مسكين؟ وكنت أظنه يقصد أحد عمال
النظافة بالعمارة! فقال فلان. قلت متعجباً : فلان مسكين؟ قال إيه هندي الله
يساعده. وفلان المسكين هذا الذي يقصده أستاذ دكتور ويتقاضى راتباً محترماً. وهذه النقطة تقودنا لأخرى ربما كانت وراء هذا
الحب لهم وهي التواضع الزائد جداً فالهنود تختفي شخصيتهم كلياً مهماً كان وضعهم الوظيفي
بوجود الإخوة العمانيين، وكنتُ كثيراً ما ألحظ هذا (المسكين) وهو يقطع الشارع
مسرعاً ليسلم على شخص آخر مظهراً آيات الطاعة والتسليم.
لكن السؤال (وهو مهم بالنسبة للقادمين الجدد لعُمان) هل الهنود
هكذا على الدوام و مع الجميع؟ الجواب لا طبعا؛ فهم إذا صادفتهم مشكلة مع أي وافد
آخر يظهر الهندي بشخصيةٍ مختلفةٍ إذا كان غالباً وصاحب حق؛ أما إن كان مغلوباً فيظهر الجانب الوديع ويختبئ
خلف الكفيل العُماني(وهنا أتحدث عن خارج الكلية طبعا) فأي مشكلة معهم ترى الكفيل،
وقد حضر، فيكون الجدال معه وهو لا يعرف ما الموضوع والهندي يتفرج، وربما يشرب
الشاي رغم أنه أساس البلى. وللتوضيح فالكفيل هو صاحب الدكان إسماً عند الصناعة
والتجارة، والهندي صاحب الدكان فعلياً، ويدفع للكفيل مبلغاً من المال مقابل الإسم
والحماية إن لزم الأمر. ولا يختلف الأمر
كثيراً عن وضعهم بالقطاع العام من هذه الناحية.
>>>>>> يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق