الفصل الرابع
الوعي الديني و المساجد
لفت نظري عندما بدأت التجوال في صلالة كثرة المساجد و المصليات فيها،
فأينما توجهت تجد مسجداً وفي أكثر الأحيان
تجد أكثر من مسجد بنفس المنطقة، وهذا يدل
على الوعي الديني العالي في هذه المحافظة.
ولفت نظري أيضا كثرة المصلين بأوقات الصلاة المختلفة باستثناء صلاة الفجر كعادة
الشعوب العربية المسلمة، وكذلك لفت نظري أن
الكثيرين وخاصة من أفراد الجالية الأسيوية من يحرص على تجديد وضوئه كلما
حضر للمسجد ، حيث تجد معظم من في المتوضأت من هذه الجالية، ونتيجة لهذا يحدث تعفن
للسجاد في المسجد لأنهم يتوجهون مباشرة بعد الوضوء للمسجد، فتجد السجاد القريب من
الأبواب ذا رائحة غير مقبولة وخاصة إذا كان قديماً، وكثير من هؤلاء من يحمل ماء
شربه من المسجد إن كان من سكان المنطقة المجاورة.
كذلك من الملفت للنظر أن معظم هذه المساجد حديثة البناء. وتتواجد المساجد الصغيرة في الكليات وبعض
المدارس الكبيرة ليقوم الطلبة بأداء الصلاة
لوقتها. لهذا تشكل البيئة الدينة
في صلالة فرصة ممتازة لمن أراد اللحاق بركب المصلين إذا كان لم يلتحق به بعد، أو
كان من غير المنتظمين فيها وخاصة في موضوع صلاة الجماعة.
وتنقسم المساجد في صلالة إلى ثلاث فئات حسب جهة الإشراف، فمنها ما يتبع
وزارة الأوقاف ومنها ما يتبع ديوان البلاط السلطاني ومنها ما هو تابع لشخصيات
مرموقة بصلالة وأصحاب رؤوس أموال يشرفون على هذه المساجد ويديرونها ويتكفلون
بمصاريفها؛ ولكنها جميعاً تخضع لوزارة الأوقاف من الناحية الدينية. كذلك يتولى القسم الديني بالديون السلطاني
إمداد هذه المساجد التابعة له بالخطباء والمؤذنين. وقد بلغني أن عدد المساجد التي
تخضع لوزارة الأوقاف من الناحية التنظيمية الإدارية المالية ثلاثة مساجد فقط وهي ما يعرف بمسجد الزاوية بالقوف ويسمى أيضا مسجد الأوقاف، ومسجد
سلمان الفارسي و يعرف أيضا بمسجد الباكستانية وهو بمنطقة القرض ولا يبعد إلا مسافة
قصيرة عن مسجد الأوقاف، وسبب تسميته بمسجد الباكستاتنية أن الإخوة من الجالية
المسلمة بالهند والباكستان يجتمعون فيه بعد صلاة الجمعة لموعظة تُلقى عليهم باللغة
الأوردية من واعظ من بني جنسهم، وكذلك بالأعياد . أما المسجد الثالث فهو مسجد
بادرّاج في منطقة عوقد مقابل مستشفى السلطان قابوس؛ في حين أن باقي المساجد يقوم
ببنائها والإشراف عليها مالياً وعناية ونظافة جهات خاصة من شيوخ بعض القبائل أصحاب
رؤوس الأموال الكبيرة ؛ وهنا نذكر مجموعة مساجد الشنفري ومسجد الهدى أو ما يُعرف
بمسجد حمدان. كذلك هناك مسجد الغساني، ومسجد الشيخ عيسى مثلا .....الخ وهي كما تدل
عليها أسماؤها تتبع الأشخاص الذي تتسمى بأسمائهم.
ويعتبر كلٌ من هذه المساجد تابعاً لإحدى شركات هذا المحسن أو ذاك، لذلك تجد
في كل دعاء للخطيب جزءاً من الدعاء لصاحب المسجد. اللهم اخلف على من أجرى الخير
على هذا المسجد وبارك له في ماله وعياله .......
مسجد السلطان قابوس بصلالة
ويشكل مسجد السلطان قابوس دُرَّة هذه المساجد جميعها، فهو حديث البناء
وصُمم ونُفذ بإشراف مباشر من ديوان البلاط السلطاني العامر، وشُكّل على غرار باقي
المساجد التي تحمل نفس المسمى بالسلطنة. وقد
نُفّذ ببراعة وفن معماري إسلامي من طراز رائع. وهو مسجد كبير يحتوي مكاناً خاصاً
للنساء وفيه مركز لحفظ القرآن ومكتبة وقاعة لأغراض المسجد. وعادة ما يكون هذا
المسجد المكان المفضل للديوان لإقامة الاحتفالات الدينية وليالي التراويح بشهر
رمضان، ويتم استضافة علماء كبار يتقدمهم عادة سماحة الشيخ احمد بن حمد الخليلي
مفتي عام السلطنة، وعلماء كبار من الدول العربية الشقيقة كجمهورية مصر العربية. ورغم
أنه مسجد إلا أنه إضافة لهذا يعتبر مكاناً رسمياً محروساً بحرس خاص للحيلولة دون
العبث بمحتوياته أو إزعاج المصلين مسلكاً أو منظراً، فلا يُسمح لأحد بالنوم بهذا
المسجد أو الدخول إليه بلباس يؤذي المصلين.
ورغم روعة هذا المسجد واحتوائه على مواقف سيارات كبيرة إلا أن المؤذي هو أن
البعض لا يلتزم بالمواقف المحددة للسيارات، فتراه يأخذ مكانين رغم وضوح الخطين
الأبيضين وضوحا تاماً، ومنهم من يوقف سيارته على الأطاريف، وقد نبه خطيب المسجد
لهذا بالمرحلة الأولى من المسجد حيث كنتُ مصلياً هناك.
كذلك رغم وجود أماكن كثيرة للأحذية إلا
أن الغالبية تصر على خلع نعالها على الدرج مما يشكل منظراً غير لائق
بالمسجد، وقد نبهتُ أحد الحراس لهذه الظاهرة فقال أنه سيبلغ المسؤولين عن هذه
الظاهرة. بقي الوضع هو هو فالناس تقف كيف ما تشاء ويخلعون نعالهم على الدرج وبعد
الدرج رغم وجود الأمكنة الخاصة لذلك.
في هذا المسجد الكريم لا عذر لأصحاب هذه التصرفات فهو يختلف عن باقي المساجد
لمكانته الإدارية أولاً، ولتوفر كل شيء فيه ولا حجة لمن أراد الاستمرار بهذه
المناظر، أما باقي المساجد فالمصلون هناك معذورون لأنه لا توجد المواقف الكافية أو
أمكان لوضع الأحذية.