الثلاثاء، 31 يناير 2017

الفصل الرابع / الوعي الديني والمساجد

الفصل الرابع

الوعي الديني و المساجد

لفت نظري عندما بدأت التجوال في صلالة كثرة المساجد و المصليات فيها، فأينما توجهت  تجد مسجداً وفي أكثر الأحيان تجد أكثر من مسجد بنفس المنطقة،  وهذا يدل على الوعي الديني العالي في هذه المحافظة.  ولفت نظري أيضا كثرة المصلين بأوقات الصلاة المختلفة باستثناء صلاة الفجر كعادة الشعوب العربية المسلمة، وكذلك لفت نظري أن  الكثيرين وخاصة من أفراد الجالية الأسيوية من يحرص على تجديد وضوئه كلما حضر للمسجد ، حيث تجد معظم من في المتوضأت من هذه الجالية، ونتيجة لهذا يحدث تعفن للسجاد في المسجد لأنهم يتوجهون مباشرة بعد الوضوء للمسجد، فتجد السجاد القريب من الأبواب ذا رائحة غير مقبولة وخاصة إذا كان قديماً، وكثير من هؤلاء من يحمل ماء شربه من المسجد إن كان من سكان المنطقة المجاورة.  كذلك من الملفت للنظر أن معظم هذه المساجد حديثة البناء.  وتتواجد المساجد الصغيرة في الكليات وبعض المدارس الكبيرة ليقوم الطلبة بأداء الصلاة  لوقتها.  لهذا تشكل البيئة الدينة في صلالة فرصة ممتازة لمن أراد اللحاق بركب المصلين إذا كان لم يلتحق به بعد، أو كان من غير المنتظمين فيها وخاصة في موضوع صلاة الجماعة.

وتنقسم المساجد في صلالة إلى ثلاث فئات حسب جهة الإشراف، فمنها ما يتبع وزارة الأوقاف ومنها ما يتبع ديوان البلاط السلطاني ومنها ما هو تابع لشخصيات مرموقة بصلالة وأصحاب رؤوس أموال يشرفون على هذه المساجد ويديرونها ويتكفلون بمصاريفها؛ ولكنها جميعاً تخضع لوزارة الأوقاف من الناحية الدينية.  كذلك يتولى القسم الديني بالديون السلطاني إمداد هذه المساجد التابعة له بالخطباء والمؤذنين. وقد بلغني أن عدد المساجد التي تخضع لوزارة الأوقاف من الناحية التنظيمية الإدارية المالية ثلاثة مساجد فقط  وهي ما يعرف بمسجد  الزاوية بالقوف ويسمى أيضا مسجد الأوقاف، ومسجد سلمان الفارسي و يعرف أيضا بمسجد الباكستانية وهو بمنطقة القرض ولا يبعد إلا مسافة قصيرة عن مسجد الأوقاف، وسبب تسميته بمسجد الباكستاتنية أن الإخوة من الجالية المسلمة بالهند والباكستان يجتمعون فيه بعد صلاة الجمعة لموعظة تُلقى عليهم باللغة الأوردية من واعظ من بني جنسهم، وكذلك بالأعياد . أما المسجد الثالث فهو مسجد بادرّاج في منطقة عوقد مقابل مستشفى السلطان قابوس؛ في حين أن باقي المساجد يقوم ببنائها والإشراف عليها مالياً وعناية ونظافة جهات خاصة من شيوخ بعض القبائل أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة ؛ وهنا نذكر مجموعة مساجد الشنفري ومسجد الهدى أو ما يُعرف بمسجد حمدان. كذلك هناك مسجد الغساني، ومسجد الشيخ عيسى مثلا .....الخ وهي كما تدل عليها أسماؤها تتبع الأشخاص الذي تتسمى بأسمائهم.  ويعتبر كلٌ من هذه المساجد تابعاً لإحدى شركات هذا المحسن أو ذاك، لذلك تجد في كل دعاء للخطيب جزءاً من الدعاء لصاحب المسجد. اللهم اخلف على من أجرى الخير على هذا المسجد وبارك له في ماله وعياله .......


مسجد السلطان قابوس بصلالة

ويشكل مسجد السلطان قابوس دُرَّة هذه المساجد جميعها، فهو حديث البناء وصُمم ونُفذ بإشراف مباشر من ديوان البلاط السلطاني العامر، وشُكّل على غرار باقي المساجد التي تحمل نفس المسمى بالسلطنة.  وقد نُفّذ ببراعة وفن معماري إسلامي من طراز رائع. وهو مسجد كبير يحتوي مكاناً خاصاً للنساء وفيه مركز لحفظ القرآن ومكتبة وقاعة لأغراض المسجد. وعادة ما يكون هذا المسجد المكان المفضل للديوان لإقامة الاحتفالات الدينية وليالي التراويح بشهر رمضان، ويتم استضافة علماء كبار يتقدمهم عادة سماحة الشيخ احمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة، وعلماء كبار من الدول العربية الشقيقة كجمهورية مصر العربية. ورغم أنه مسجد إلا أنه إضافة لهذا يعتبر مكاناً رسمياً محروساً بحرس خاص للحيلولة دون العبث بمحتوياته أو إزعاج المصلين مسلكاً أو منظراً، فلا يُسمح لأحد بالنوم بهذا المسجد أو الدخول إليه بلباس يؤذي المصلين.

ورغم روعة هذا المسجد واحتوائه على مواقف سيارات كبيرة إلا أن المؤذي هو أن البعض لا يلتزم بالمواقف المحددة للسيارات، فتراه يأخذ مكانين رغم وضوح الخطين الأبيضين وضوحا تاماً، ومنهم من يوقف سيارته على الأطاريف، وقد نبه خطيب المسجد لهذا بالمرحلة الأولى من المسجد حيث كنتُ مصلياً هناك.

كذلك رغم وجود أماكن كثيرة للأحذية إلا  أن الغالبية تصر على خلع نعالها على الدرج مما يشكل منظراً غير لائق بالمسجد، وقد نبهتُ أحد الحراس لهذه الظاهرة فقال أنه سيبلغ المسؤولين عن هذه الظاهرة. بقي الوضع هو هو فالناس تقف كيف ما تشاء ويخلعون نعالهم على الدرج وبعد الدرج رغم وجود الأمكنة الخاصة لذلك. 

في هذا المسجد الكريم لا عذر لأصحاب هذه التصرفات فهو يختلف عن باقي المساجد لمكانته الإدارية أولاً، ولتوفر كل شيء فيه ولا حجة لمن أراد الاستمرار بهذه المناظر، أما باقي المساجد فالمصلون هناك معذورون لأنه لا توجد المواقف الكافية أو أمكان لوضع الأحذية. 


الأحد، 29 يناير 2017

الفصل الثالث: الجولات السلطانية السامية

الفصل الثالث

الجولات السلطانية السامية

من الأعراف السلطانية التي سمعت بها عند قدومي لسلطنة عمان وشاهدتها لاحقاَ سُنّة حميدة لصاحب الجلالة وهي الجولات السلطانية على جميع أنحاء السلطنة من شمالها إلى جنوبها مصحوباً بأصحاب المعالي الوزراء.  وكانت هذه الزيارات تهدف بالدرجة الأولى إلى الاطلاع على أحوال الرعية من الرعية نفسها.

كانت هذه الزيارات تتم بموكب سلطاني مهيب لكوكبة كبيرة من السيارات تتقدمها سيارة صاحب الجلاله يقودها بنفسه، وتتبعها سيارات أصحاب المعالي الوزراء والموظفين وسيارات التموين بشكل عام.  وعند وصول موكب جلالته إلى المنطقة يقيم في المخيم السلطاني الخاص بجلالته والذي يكون قد أعد لاستقباله مسبقاً.  وكانت تلك المناطق تسمى السِيح , وقد اسماها جلالته بأسماء طيبة مثل سيح الخيرات وسيح المسرات وسيح البركات.

عند دخول الموكب المنطقة المقصودة يستقبله أهلها بالأغاني الوطنية والأهازيج الشعبية على طول الطريق ويلوح لهم جلالته بيده الكريمة فرحاً مسروراً بأبناء شعبه،يبادلهم حباً بحب.

وعندما يأتي جلالته إلى أي منطقة يأتي معه الخير لأهلها جميعاً، فتتوافد الأهالي إلى المخيم السلطاني أملا بتوصيل حاجة أو عرض مشكلة على جلالته، وإذا لم يتمكن هذا من رؤية جلالته يقابل أحد موظفي الديوان وتعتبر حاجته مقضية.  أما أصحاب المعالي  فكان يتم توجيههم من جلالته بالتوجه إلى الناس بأماكن إقامتهم بالمنطقة فيجتمعون مع الأهالي ويسمعون منهم ويحلوا مشاكلهم .

وأهم حدث يكون لقاء جلالته بشيوخ المنطقة في اجتماع مفتوح يلقي فيه كلمة ينقلها التلفزيون تعتبر كلمة توجيهية للجميع يستعرض فيها حلولاً لكل المشاكل. وكانت هذه اللقاءات تعتبر بمثابة برلمان مفتوح دون جدران يسمعون لجلالته ويسمع منهم.
أذكر أنني كنت من الحريصين على مشاهدة الموكب السامي عند حضوره لصلالة وأصطحب معي الدكتور محمد ولدي الذي كان بعمر ثلاث سنوات عندما شاهد صاحب الجلالة.  وفي السنوات اللاحقة كنت أرى الموكب من شرفة شقتي التي كانت على الشارع الرئيسي المؤدي لقصر الحصن المقر الرسمي لديوان البلاط السلطاني.

كان موكباً مهيباً حقاً. وما زالت الجولات السامية موجودة باستثناء الموكب الكبير فلم نعد نرى هذا الموكب لكن جلالته ما زال يحضر للمناطق ويقيم بالمخيمات السلطانية بكل منطقة من مناطق السلطنة بشكل دوري.
حفظ الله جلالته في حله و ترحاله.


السبت، 28 يناير 2017

تابع العيد الوطني

احتفالات السلطنة بالعيد الوطني

كنت قد أخبرتكم بمناسبة سابقة أن الأسرة حضرت إلى عمان في شهر نوفمبر وصادف هذا الشهر احتفالات السلطنة بالعيد الوطني العشرين.  وعندما حضرت إلى صلالة أخذتهم بجولة على الأماكن القريبة سيراً على الأقدام قبل أن نمتلك السيارة الحمراء وذلك حتى يشاهدوا الإضاءة التي تزين الشوارع  إضافة لما كنا نشاهده من شقتنا بشارع النهضة،وكان هدفي أن أريهم مطار صلالة، ولكن زوجتي قالت هذا لا يُعد احتفالاً إذا ما قارناه مع ما رأيناه بمسقط أثناء إقامتهم  مع عائلة الأستاذ جاسر عنانزة التي حدثتكم عنها سابقاً.

 عندما يبدأ شهر نوفمبر من كل عام يمر شريط الذكريات أمام عيني ويبدأ منذ أول نوفمبر بحياتي هنا.  فما أن دخل ليلة أو يوم من هذا الشهر إلا و استحالت صلالة إلى كتلة مضيئة احتفالاً بهذه المناسبة الطيبة.  وفي الحقيقة فلطالما حدثني زميلي الأستاذ جميل عن هذا العيد فشوقني إليه، ولكن ما رأيته باحتفالات السلطنة بالعيد العشرين فاق وصف الأستاذ جميل.  لبست الشوارع والمباني الحكومية حلة من نور، وتسابقت الفنادق في التعبير عن فرحتها بإعلان الزينة، وتنافست المؤسسات الخاصة في إظهار سرورها بهذا اليوم الكبير والغالي على قلوب العمانيين جميعاً.  كذلك ازدانت الشوارع  بالأعلام العمانية كجزء من الاحتفال الرسمي. وعندما كنتُ أسأل الأستاذ جميل عن هذا يقول أنه العيد العشرين.  وبعده علمت أن الاحتفالات تتوج بأضخم مظاهر الفرح كل خمس سنوات.

صادف العيد العشرين أيضاً محاولة لإحياء طريق الحرير من أوروبا الى الصين، وقد تبرع جلالة السلطان قابوس المعظم بسفينة ضخمة أُطلق عليها "فلك السلامة" لهذه الغاية، وقد وصلت صلالة في بداية شهر نوفمبر 1990،فاستقبلت بالأهازيج من قبل الفرق الشعبية ثم توجهت بعد ذلك إلى مسقط لتصل هناك يوم 18 نوفمبر وهو قمة الاحتفالات العمانية بهذا اليوم المجيد.

على الرغم من شهر نوفمبر هو شهر احتفالات كله إلا أن يوم الثامن عشر منه يعتبر القمة، حيث يلقي جلالة السلطان المعظم كلمة توجيهية شاملة يستعرض فيها المستجدات الدولية والدور العماني فيها وتكون بمثابة كلمة توجيهية للحكومة والشعب لأنه هذا الاجتماع يكون كبرلمان لعمان كلها.  وبعدها يشهد السلطان العرض الضخم الذي يمثل مختلف جوانب الحياة العملية والشعبية والتراثية تقوم بها الفرق وتمر على شكل أفواج تمثل مناطق عمان جميعاً وتعبر عنه بفنونها المختلفة. يتلو هذا العرض عروضاً أخرى  بالمحافظات بمناطق الاحتفالات المخصصة لذلك، وهنا بصلالة تكون بما يعرف بميدان الاحتفالات.  وفي ذلك اليوم أيضا تطلق الألعاب النارية بكل مناطق السلطنة ويتجمع الناس لمشاهدتها تعبيراً عن فرحتهم.

ولا ننسى كذلك العرض العسكري الذي يشرفه جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة بنفسه، حيث تمر من أمام المنصة السلطانية أفواج الجيش العماني المظفر وتؤدي التحية لصاحب الجلالة فيبادلها التحية.  وبعده تكون هناك نوبة المساء الموسيقية لموسيقات القوات المسلحة والتي تشارك فيها أحياناً بعض الفرق من الدول الصديقة تتقدمها موسيقات المملكة  الأردنية الحبيبة التي تأخذ بلباب الحضور بعروضها المميزة.

يستبشر العمانيون  والوافدون على حد سواء بأعياد العيد الوطني لأن هذا موعدهم مع مكارم صاحب الجلالة التي عودهم عليها وغاليا ما كانت هذه المكرمات زيادة بالرواتب أو مكرمات على شكل منحة مالية.  ويقدر لعمان بتوجيه من جلالته أنها لا تميز بين عماني أو وافد بموضوع المكرمة، فالمكرمة تأتي عادة لموظفي جهاز الخدمة المدنية.  وقد تطورت هذه المكرمات لتشمل كذل المنح العلمية والحاسبات لطلاب الجامعات والكليات.  وكانت مكرمات جلالته السخية جداً بالعيد الوطني الأربعين حيث طالت بيت كل مقيم على أرض السلطنة العزيزة. 

في ختام شهر نوفمبر تمنح إجازة للعاملين بالقطاع العام والخاص يومين  تقديراً من الحكومة للشعب وعادة ما تكون هذه الإجازة بنهاية أو أول الأسبوع لتكون عطلة نهاية أسبوع طويلة يمكن أن يقضيها الموظف مع عائلته اذا كان يعمل بمنطقة نائية أو يستغلها بما يراه مفيداً.  وبالمناسبة فعند كتابة هذا لسطور كنا نحتفل بالعيد الوطني الحادي والأربعين ونستعد للتمتع بالإجازة الاعتيادية و التي ترافقت مع أجازة رأس السنة الهجرية فكانت ثلاثة أيام : السبت و الأحد و الاثنين 26 و 27 و 28 من شهر نوفمبر 2011. 

احتفل الإخوة العمانيون بالكلية بهذه المناسبة ودعونا للحلوى وأصناف الطعام وتوجتها الكيكة التي تعلوها صورة صاحب الجلالة المعظم.  لقد كان جواً احتفالياً حقا.ً أما العيد الوطني الرابع والاربعين فكان لنا مشاركة متواضعة بالاحتفال بكيكة تحمل العلم العماني وإلى جانبه العلم الأردني مع جملة تقول " من أردن النشامى إلى عُمان الأصالة".




فكل عام وعُمان وسيدها وشعبها والمقيمون على أرضها الطيبة بكل خير.



الخميس، 26 يناير 2017

العيد الوطني العُماني

الفصل الثاني

العيد الوطني العُماني

يعتبر العيد الوطني العماني مرحلة مهمة في تاريخ سلطنة عمان،  فعُمان شأنها شأن كل دول العالم مرت بمراحل عديدة بين نجاح وإخفاق بسبب موقعها الجغرافي الذي جعلها مطمعاً للعديد من القوى العالمية وهي لا تختلف عن باقي دول العالم بهذا إلا أنها تختلف عن باقي الدول العربية من شرقها إلى غربها بأنها في مرحلة ما من عمرها كانت تعامل هذا القوى العالمية معالة الند لند ودولة لدولة.  لذلك لا يحتفل العمانيون بعيدهم الوطني لتحررهم من استعمار عسكري كباقي الدول، فالعيد الوطني ليس عيد استقلال بمفهوم الدول الأخرى.

يحتفل العمانيون بهذا اليوم انتصاراً على ما هو أقسى من الاستعمار العسكري وأشد وطأة منه،  فترة طويلة من التخلف والانقطاع عن العالم وهم من ساد أجدادهم منطقتهم  مع المناطق  المحيطة بهم، يحتفلون به كنهاية مرحلة جهلٍ وهم أحفاد أحمد بن ماجد البحار العربي ذائع الصيت، وانتصاراً للحق على الظلم وهم الذين ما تخلفوا عن نصرة مظلوم عندما كانوا يملكون القوة، يحتفلون به كمؤشر على الانطلاق على العالم والانفتاح على باقي أرجاء الكون، ليعودوا كما كان أجدادهم.  فمتى تم لهم هذا النصر على تلك المرحلة من الجهل.   لقد عبر عنها المخرج الأردني حسن أبو شعيرة خير تعبير عندما أخرج المسلسل العماني (عُمان في التاريخ)  عندما عبر عنها بخلفية سوداء داكنة شديدة الظلمة.  وهي فعلا كذلك.

بتاريخ الثالث والعشرين من يوليو عام ألف وتسعماية وسبعين  تولى صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم مقاليد الحكم بسلطنة عمان، وفوراً بدأ شكل عمان يتغير، فبدأ بتوحيد صف العمانيين لمواجهة قوى الماضي واستهل عهده بتطوير عُمان بمجال التربية و التعليم فقال جملته المشهورة التي يتناقلها العمانيون " سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل الشجر".  هكذا هم الكبار عندما يقولون مقولة فأنهم يرسمون منهج حياة.  لن أستطرد بالحديث عن منجزات صاحب الجلالة فهي كثيرة جداً لأنني لا أريد لمشروعي هذا أن يصبح ككتاب تاريخ.  لكن لو قُدر لكم أن تجلسوا إلى أي شيخ كبير من سلطنة عُمان وهم ما يسمونهم هنا ( بالشيّاب نظراً لكبر سنهم وحكمتهم) لحدثكم كيف كانت عُمان وكيف انقلبت هذا الانقلاب الكبير من الضد إلى الضد.  وستكتشف مدى حبهم لهذا القائد الكبير،  لهذا لا غرو أن يتخذوا من عيد مولد جلالته وهو الثامن عشر من نوفمبر تاريخ عيدهم الوطني وليس الثالث و العشرين من يوليو؛ فهم يميزون بين يوم النهضة والعيد الوطني.  نعم إنها مرحلة اندماجٍ يعيشها الشعب مع قائده.


أما نحن الأردنيين فلنا مع كل إطلالة لصاحب الجلالة ذكرى عزيزة علينا كأردنيين، ذكرى تدمع لها الأعين وتخفق لها القلوب؛ لقد اعتدنا أن نربط بين الشخصيتين الكبيرتين صاحبي الجلالة السلطان قابوس وجلالة الملك المغفور له بإذن الله الحسين بن طلال رحمه الله وأطال في عمر صاحب الجلالة السلطان قابوس.  نتذكر العلاقة الأخوية المتينة بين العظيمين الكبيرين والتي انعكست على الشعبين العزيزين بكافة أوجه التعاون بين البلدين الشقيقين.  بالعيد الوطني الأربعين شعرت بالفخر والاعتزاز و أنا أرى صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بين الحسين إلى جانب عمه صاحب الجلالة السلطان قابوس على منصة الاحتفالات،  فما شاهدته من نظرة حب  بينهما وعلاقة الاحترام لا تكون إلا بين العم وابن أخيه.  بارك الله في هذه الإخوة و أدامها الله لمصلحة الشعبين الأصيلين.

السبت، 21 يناير 2017

سمات الشعب العماني

الفصل الأول

سمات الشعب العماني في ظفار

المجتمع العماني  هو كغيره من المجتمعات العربية التي ما زالت تتمسك بما تبقى من العادات الطيبة والتي بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً نتيجة  تطور المجتمعات وضيق الحال على البشر، وأصبح شعار الناس هو اللهم نفسي.  بعُمان ما زلنا نرى بعضا من هذه العادات، ربما لأن الحالة هنا لم تصل ما وصلته بباقي المجتمعات العربية الأخرى ولله الحمد.

و أهم ما يميز المجتمع العُماني هو التكافل؛ هنا تجد التكافل على أصوله، فهم يسعى بذمتهم أدناهم كما يقال، فلا تشعر بالفرق بين غني وفقير إلا إذا أمعنت النظر أو بحثت عنه من خلال الأصدقاء بالسؤال المباشر أو العرضي.  فعندما يتزوج الفرد يهبون جميعاً لمساعدته  كفرد من أبناء القبيلة ويخرج العرس عند هذا الشخص كباقي أفراد القبيلة. ولهذا لم نسمع مثلا أن شخصاً تراجع عن الزواج من فتاة لغلاء المهر مثلا أو ارتفاع التكاليف.  ويجد الظفاريون  فرصة من خلال ما يسمونه باللهجة المحلية (مغبور) ويعني النقوط باللهجة الأردنية فرصه لتجديد مثل هذا التكافل.   وللتكافل مظاهر عديدة كبناء البيت مثلا أو إذا وقع في غرم.

كذلك لا يستعجلون سداد ديونهم ممن استدان منهم، ولم أسمع بقضية رفعها  شخص على آخر من أجل قرض مثلا أمام المحاكم.  ولقد سمعتُ قصة عن صاحب محل مفروشات أحترق محله التجاري بالكامل وله الكثير من الديون على زبائنه ومعارفه ولم يستعجلهم بشيء من ديونه لتجديد محله رغم أن هذا الشخص كما سمعت أيضا  لم يكن مُؤمِّناً على محله. وهم يقولون أن المدين سيدفع إن توفرت معه السيولة فلماذا يحرجوه فيضطر للاستدانة من الغير.  

وهم كذلك  لا يميلون للمشاكل، فلم أشهد في حياتي (ضرابة) أو هوشة أو خناقة كما نقول بين عمانيين أبدا. ولا يفتعلون العنف ويتجنبونه دائماً بالحكمة والقانون. ولعل المجال الأكثر سخونة للمشاكل في العالم العربي هو حوادث السيارات على سبيل المثال. وهنا لا بد من الإشارة إلى منظر رأيته عند قدومي لعُمان، وهو مشهد حادث سير تحت الشقة التي أسكنها.  سمعنا صوت الحادث فهرعنا أنا والمدام للشرفة ونحن نتوقع أن يكون الضرب والركل والشتم على أقل تقدير. ولكننا فوجئنا بتجمهر الناس ونزول أصحاب السيارات ولم نسمع إلا كلمة سلامات سلامات من الجميع. يتصافح الرجلان (أصحاب الحادث) ويقفان إلى جانب السيارات منتظرين الشرطة. تحضر الشرطة وتجهز التقرير وتحدد المخطئ دون اعتراض من أحد.  ثم تحمل السيارات من مكان الحادث فوراً.  وفي اليوم التالي يحمل صاحب الحق ملف الحادث إلى شركة التأمين للشخص المخطىء بعد أن يكون قد ذهب ودفع مبلغ 35 ريالاً أو 50 حسب نوع التأمين وتنتهي علاقة الأثنين بالنسبة للحادث.

هناك مجال آخر لا بد من الحديث وهو الانتخابات لمجلس الشورى أو المجالس البلدية.  وكثيراً  ما كانت خيام المرشحين المتنافسين متقاربتين ولم يحدث أن احتكت جبهة بأخرى في هذا المجال.  وفي يوم الانتخابات يذهب الجميع وهم يعرفون أن هذا سينتخب فلاناً وذاك سينتخب شخصاً آخر، وتمضي الأمور بسلام.  وعند ظهور النتائج تظهر الروح الرياضية وتطوى الصفحة و دمتم.

وهم شعب قبلي ويحافظ على ترابط القبيلة بشكل رائع سواء من كان منهم بالجبل أو البدو  أو من يسكن صلالة. ولكن يؤخذ عليهم أحيانا إغراقهم في هذا الأمر لدرجة أنهم لا يرون في المقابل لهم من أبناء الدول العربية الأخرى أنه أيضا ابن قبيلة وله عاداته وتقاليده.

ويرتبط بموضوع القبليّة هذه النخوة وحبهم لمساعدة الآخرين إن تم نخوتهم لذلك فلا يترددون أبدا بالوساطة للصاحب الشأن إن كان باستطاعتهم ذلك. 

ومنها أيضا حتى على صعيد العمل أنهم يطبقون مقولة ( قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)، فهم يترددون كثيراً قبل اتخاذ قرار بإنهاء خدمات الموظف، ويعطى الفرصة تلو الفرصة وإذا لم يستجب قاموا بنقله أو تكليفه بعمل آخر غير حتى لا تُنهى خدماته. ولم أشهد حالات انهاء خدمات لموظف إلا إذا أصبح إصلاحه صعباً.


هكذا  هم العُمانيون

الجمعة، 13 يناير 2017

الوصول للكلية

الوصول الى صلالة

وصلت صلالة عند وقت الإفطار ، ولم أجد أحداً بانتظاري ليوصلني إلى الكلية،كما جرت العادة مع الجدد، ربما لأن الجماعة الأردنيين المسؤولين أعتقدوا أنني لستُ بحاجة لذلك لكوني قديم بصلالة فافترضوا أن أحضر لصلالة سيراً على الأقدام.  ولم أدري ما أفعل رغم عدم حاجتي إليهم طبعا ولكنه مؤشر يدل على عدم الترحيب بشخصي لأنهم يعرفونني جميعاً باستثاء العميد. ولكن استعجالي على مباشرة العمل جعلني لا أقيم وزناً لهذا التصرف فأنا في شوق لأن أجمع شمل الأسرة.  فقد خبرت أجواء الاغتراب وسبرت غور الكثيرين فلم يكن يعنيني هذا كثيراً.

في تلك اللحظات اقترب مني شخص وسألني مبتسماً بلهجة مصرية : حضرتك جاي الكلية التقنية؟ فقلت له نعم.  فضحك وقال تفضل، وحملني بسيارته المرسيدس ذائعة الصيت لاحقاً إلى الكلية. وهناك بحثت عن محي الدين فتفاجأ أنني أعرف محي الدين، فأعطوني مفتاح إحدى الفلل  وقالوا إن فيها شخصاً أردنياً آخر اتضح لاحقاُ أنه الأخ محمد الجعافرة.

في الطريق إلى الكلية عرفني الدكتور على نفسه فإذا هو الدكتور وفيق كيليني رئيس قسم اللغة الانجليزية، فشكرته وأعطيته من الاحترام ما يستحق بتلك اللحظات واسمعته من العبارات التي يحب رؤساء الأقسام من جمهورية مصر الشقيقة سماعها (خبرة بأه). وحرص هو كذلك على التأكيد أن حضوره للمطار ليس تكليفاً من أحد، وسبب وجوده بالمطار كان لتوصيل فريق ال( RSA ) للمطار. كانت إشاراته تعني أن أحداً من الكلية لم يهتم بحضوري رغم أن العميد كان أردنياً واستقبال المدرسين الجدد يأتي بناء على تعليماته؛ يعني أنه لم يكترث حتى بإرسال السائق إو أخبار شؤون الموظفين ليتولوا الأمر.
 
ومع ذلك لا بد من شكر الدكتور وفيق كيليني شكرا خاصاً يستحقه، فلستُ ممن ينسى فضل الناس.  لقد كان أول طعام أكلته في صلالة بالمرحلة الثانية من وجودي فيها  هو دعوة من الدكتور وفيق بمطعم الكلية، ولهذا كان له أجر الضيافة وأجر تفطير الصائم جزاه الله كل خير.  وقد اعتذرتُ منه بداية لأنني أخرته عن إفطاره مع أسرته فضحك ضحكة عرفت منها لاحقا أنه من الإخوة المسيحيين أو كما يسمونهم بمصر الأقباط.
 
بحثت عن الأصحاب الأردنيين في صلالة وعلى رأسهم السيد المهندس فايز البطاينة فاتصلتُ به فرحب بي ولكونه مشغولاً لم التق به بنفس الليلة، ولكنه حضر لي في الكلية باليوم التالي مرحباً فكان نعم الصديق. صديق آخر  لم أتصل به وإنما زرته بمكتبه لأنني كنت اعتقد أن لي مكانة معينة عنده، فرحب بفتور ولكنه لم يرد لي زيارتي أو يزورني مُرحبا إلا بشهر يوليو (بعد سبعة شهور من تاريخ وصولي لصلالة) على ما اعتقد بمناسبة عيد الأضحى ومناسبة اخرى شخصية لا مجال لذكرها.

هنا توصلت لقناعة أنك إذا غادرت مكاناً  وتركت فيه أناسا أصدقاء فلا تظن أنهم نفس الأصدقاء إذا عدت لنفس المكان مرة أخرى، بمعنى أن لا تتوقع منهم الكثير. فكما يقول بعض الفلاسفة "أنك لا يمكن أن تسبح في نفس النهر مرتين" كذلك البشر إذا تركته بمكان وعدت للمكان مرة أخرى لن تجد المكان نفس المكان ولا الصديق نفس لصديق فلا تتفاجأ.  وهذه المرة الثانية التي أكتشف فيها هذا الاكتشاف المبهر؛ المرة الأولى كانت عام 1979.


الخميس، 12 يناير 2017

الكلية التقنية بصلالة

الفصل الثاني
الكلية الفنية الصناعية / التقنية لاحقاً
بدأت علاقتي فعلياً بالكلية التقنية بصلالة بتاريخ 25/ 1/ 1997 عندما جاء خبر تعييني بالكلية فباشرت بعمل الإجراءات سريعاً وأولها الحصول على تذكرة السفر من طيران الخليج بعَمان حيث لم يكن الطيران العماني يسير رحلاته دولياً في تلك الفترة. ثم تقدمت بطلب إجازة من وزارة التعليم العالي، ولم أنتظر الرد رسميا لأن رئيس قسم شؤون الموظفين قال لي (الله يسهل عليك) إشارة منه إلى أن الموافقة تحصيل حاصل كانت بعد الحصول على موافقة عميد الكلية المباشر الدكتور حسين سرحان الذي قال لي جملة لن أنساها وهذه يمكن ان تكون الفائدة الخامسة لفترة السنة والنصف بين الفترتين الاغترابيتين التي أخبرتكم عنها سابقاً ؛ قال (والله يا طلال اللي مثلك ما لازم نوافق على خروجه، لكن لا يجب الوقوف أمام الرزق الذي جاءك) كم هي جميلة تلك العبارة التي ما زلت أذكرها. وجميل من رؤسائنا بالعمل أن يراعوا هذه فليس الطلاب وحدهم من يحتاجون الى التشجيع.
كانت الوقت شهر رمضان وطارت بنا الطائرة متجهة الى الشرق وهذا يعني أنني كسبت ساعة من ذاك اليوم وأفطرنا بمطار أبو ظبي ثم توجهنا للبحرين فمسقط حوالي الحادية عشرة ليلا. وصلتُ مطار مسقط فوجدتُ شخصاً عمانياً بانتظاري وفور ظهوري قال انت من الكلية فقلت نعم فقال تفضل وأخذني الى الكلية التقنية بمسقط (العليا حالياً).
ضفادع سماوية
يبدو أن السائق اعتقد أنني أحضر لعُمان لأول مرة فأخذ يشرح لي عن عُمان وأسهب بالحديث عن الأمطار وغزارتها إلى أن قال من فرط حماسه صدقني يا دكتور أنه يوم كانت تمطِّر وأنا أسوق الباص هذا و ما اشوف إلا الضفادع على زجاج الباص الأمامي وأنا راجع من المطار" لا أدري معنى كلمة الضفادع باللهجة هناك ولكني ترجمتها؛ قلت يا سبحان الله من السماء؟ قال من السماء. بركاتك يا أبو البركات. فحدثته عن صلالة والخريف فقال ايش عرفك بصلالة قلت أنا بعُمان من سنة 1990 فسكت إلى وصلنا السكن.
الانتقال الى صلالة
أوصلني السائق إلى الفيلا بالكلية الفنية الصناعية بمسقط فنمت ولا أدري كيف تسحرت وفي اليوم التالي توجهت لقسم شؤون الموظفين فقالوا سيوصلك السائق لهيئة التدريب المهني.
هناك خيروني بين المصنعة أو إبرا فقلت لهم صلالة، فقالوا على صلالة؟ قلت نعم وأوضحت لهم أنني كنت فيها وأعرفها، فحجزوا لي التذكرة إلى الكلية فطرت إلى صلالة بنفس اليوم دون المرور بالدكتور خلف التل عميد كلية مسقط لأنه لم يكن بمكتبه، حيث حضرت لمكتبه و قالت السكرتيرة أنه بجولة على الكلية. وعندما ذهبت للهيئة لم أرجع لأنني كنت على عجل حتى أباشر عملي واستقدم الأسرة سريعا حتى نستقر.


تقدمة الفصل الثاني

ننتقل  للحديث عن الكلية التقنية حيث عملت لمدة سبعة عشر عاما متواصلة؛ ولا بد قبل البدء بالحديث عنها الإشارة أنني وقبل أن يتم تقديم طلب التمديد للخدمة لما بعد الستين وضعت نسخة من مسودة الكتاب بين يدي سعادة العميدة الدكتور مريم العوادي التي أخبرتني لاحقا أنها لم تقرأه ولكنها قالت لك مطلق الحرية أن تقول ما تشاء. فأخبرتها أن الكتاب نال موافقة وزارة الأعلام قسم المطبوعات والنشر. فقالت على بركة الله. وبناء على دعائها أكمل الحديث عن الكلية
 طبعا آخر العام تم التمديد لآخرين ولم يتم التمديد لي. ربما من قبيل المصادفة طبعا فلا أظن أن الأمرين مرتبطان. يعني عدم التمديد كان سيحصل حتى بدون الكتاب؛ فأنا ممن يبحثون دائما عن الظن الحسن بالزملاء

  في إلى الكلية التقنية

الثلاثاء، 10 يناير 2017

نهاية المشوار بالكلية المتوسطة للمعلمين

انتهاء الإعارة

في عام 1995 انتهت إعارتي للكلية المتوسطة للمعلم، وكان علي أن أغادر السلطنة، ولم تُفلح كل المحاولات بإبقائي بصلالة بالكلية الفنية الصناعية التي كنت قد تقدمت إليها للنقل هناك. غادرت السلطنة في 15/ 7 / 1995 إلى الأردن.  لكن ربما يكون لسلطنة عمان عامة و صلالة على وجه الخصوص سرٌ لا يعلمه الا الله، فمعظم من غادرها قدر الله له أن يعود اليها ، و هكذا كان بالنسبة لي.

كلية التربية

كان العام الذي أنهيت فيه إعارتي للكليات هو العام الأخير بعمر الكليات المتوسطة للمعلمين، حيث تم بعدها تحويل هذه الكليات إلى كليات التربية.  وقد هدفت هذه الكليات إلى الاستمرار على نهج الكليات المتوسطة للمعلمين مع اختلاف المرحلة.  لقد أصبح هدف كليات التربية تأهيل المعلمين العمانيين بدرجة بكالوريوس بمختلف المراحل ما عدا تخصص اللغة الانجليزية لتدريس المرحبة الإعدادية والثانوية بمدارس السلطنة.   لهذا السبب ارتأت وزارة التربية والتعليم تغيير طاقم المدرسين بالكليات كله باستثناء حملة الدكتوراه من تخصص التربية وطرق التدريس فقط، ولهذا تم إنهاء خدمات (تفنيش) تسعة عشر محاضراً جاؤوا بقائمة واحدة من مسقط.


الكلية التخصصية

استمر عمل هذه الكلية إلى فترة لا بأس بها وتحولت بعد ذلك لما يُعرف الكلية التخصصية وهي ذات أهداف شبيه بالكلية التقنية عندنا مما أثار بعض التساؤلات عن جدوى وجود كليتين يفصل بينهم جدار بسيط يُدرِّسان نفس التخصصات: وهاتان الكليتان تتبعان لوزارتين مختلفتين وهما التعليم العالي والقوى العامة, وهناك إشاعات يرددها بعض الذين يطمحون بتحقيق بعض المنافع تتحدث عن دمج الكليتين بوزارة واحدة وإن كان الأمل يحدوهم بأن تنضم الكلية التقنية إلى وزارة التعليم العالي طمعا بالبعثات. كنت كثيراً ما أعلق على هذا الخبر بان الحال سيكون عندما انشأت وزارة التعليم العالي بالأردن لتشمل الجامعات والكليات. وكان الهدف منها ان تضبط الجامعات وترتقي بالكليات ، ولكن للأسف لم تضبط الجامعات ولم ترتقي بالكليات الا بعد فترة طويلة.  لأن التغيير ببساطة سيكون باللوحة وورق المراسلات حيث سيحمل اسم الوزارة الجديدة.  لكن يبقى هذا أمل يدغدغ عواطف المهتمين كما قلت.


الاثنين، 9 يناير 2017

الأسس الذهبية في المناصب الرئاسية

الأسس الذهبية في المناصب الرئاسية

 ربما كان من الطريف التعريج على ما يسمى بمنصب رئيس القسم بالكلية؛ فهذا المنصب مهم جداً لأنه تشريفي، ويتنافس عليه بعضهم.  لهذا كان سعادة العميد في الكلية المتوسطة يلاعب رؤساء الأقسام بين الفينة والأخرى بموضوع الرئاسة.  والدكتور العشاوي كان في مرحلة ما من المستفيدين من هذه التجربة.  فقد أصبح رئيس القسمة بدلاً من الزميل السوداني الأستاذ الهادي المواج.

ذات يوم جاءنا الدكتور بخبرٍ وهو أن المدير  طلب ترشيح أحد المدرسين رئيساً للقسم (و المدير ما عندوش مانع أن يكون الرئيس هو نفسه الدكتور العشماوي).  التقطنا الإشارة طبعاً وفهمنا المقصود وقلنا نرشحك أنت نفسك؛ انفرجت أسارير الدكتور وقال"معلش نعمل اجتماع ونكتب الكلام ده بمحضر الاجتماع ونسخة للمدير  للاعتماد). اجتمعنا وكتب الدكتور المحضر ولكن الاستاذ جميل مناصرة اقترح إضافة أو إعادة صياغة للجملة بأن تكون " نرشح الدكتور محمد العشماوي لرئاسة القسم مع التأكيد على قدرة أي محاضر على إدارة القسم".  طبعا هذه الإضافة لم تعجب الدكتور محمد رغم أنه مررها للعميد.

بعد أسبوع من إعادة تنصيبه رئيساً للقسم كتب كتاباً بناء على طلب المدير (كما يقول) وأعلمنا به من باب العلم بالشيء فقط يحدد  فيه الأسس التي سيتم تعين رئيس القسم مستقبلا.  هذه الأسس هي:

1)     المؤهل, وهذا يعني  أنه الوحيد (ونحن خارج اللعبة)  لأنه الوحيد الذي يحمل الدكتوراة.
2)     فان تساوت المؤهلات فالأقدمية  في الكلية وهو الأقدم.
3)     فإن تساوت الأقدمية بالكلية فالأقدمية برئاسة القسم وهكذا أصبحت كل الطرق تؤدي بالدكتور محمد العشماوي رئيساً للقسم إلى ما شاء الله؛ وفي الحقيقة بقيت هذه النقطة غامضة بالنسبة لي، فلم أكن أتوقع مثلاً أن يأتوا له برئيس قسم من الكلية ومن خارج القسم ويفوقه بالاقدمية بالكلية ليكون رئيسا لقسم الانجليزي!!  هل سياتون به من قسم التربية مثلاً ليدير قسم اللغة الإنجليزية!!.   تبين لي لاحقاً أن من يضع الأسس ويريدها أن تبقى في عَقِبه إلى يوم الدين يأخذ كل الاحتمالات بعين الاعتبار، ولهم بُعْدُ نظر لا نتمتع به نحن عامة الشعب.  وإذا جاز لي أن أقفز سنوات لاحقة لأشير أن هذا الأمر حدث بالكلية التقينة بصلالة مع دكتور أمريكي مسلم واسمه الإسلامي (ابراهيم) ومتزوج من مشرفة لغة انجليزية عُمانية في التربية حيث نُقل من محاضر بقسم الإنجليزي رئيساً لقسم الدراسات التجارية.  وكان هذا مثار استغراب؛ فإذا كان تخصصه (بزنس) أصلاً فلماذا جاء للانجليزي مُحاضراً؛ وإذا كان تخصصه انجليزي فلماذا ذهب للبزنس كرئيس للقسم.  عالعموم الدكتور إبراهيم أراحنا من هذه الحيرة واستقال بعد تعينه بالبزنس بفترة بسيطة جداً. ويبقى للمسؤولين نفحاتهم وحكمتهم الخاصة بهم. لهذا كان الدكتور العشماوي مصيباً في استباق مثل هذا الأمر بسنوات.   


وللتوضيح لم أرد من ذكري لهذه الأسس السخرية أو التعريض باستاذنا العزيز فهو أخي الكبير؛ ولكني أحببتها لأن لها إسقاطات سياسية معينة.  نعم لقد وعدت بأن لا أقترب من السياسة ولكن السياسة أصبحت كالهواء نتنفسها كرهاً شئنا أم أبينا. لهذا أتذكر هذه الأسس كلما جاء ذكر بالربيع العربي على موضوع الأسس وما شابهها في القادم الجديد حول اختيار الرئيس الجديد للدولة. فأول عمل يقوم به الرئيس الجديد هو أن يضمن الرئاسة لولد ولده ما أمكن.  

الأحد، 8 يناير 2017

المكرّم الشيخ عبد القادر الغساني

المكرّم الشيخ عبد القادر الغساني

لا يمكن طبعاً المرور على التربية العملية في الكلية المتوسطة للمعلمين  دون الإشارة لدور المكرّم سعادة الشيخ عبد القادر الغساني.  فقد كانت هذه الكليات تتبع لوزراة التربية والتعليم في كل شيء، ولهذا كانت الزيارات تتوالى باستمرار على الكلية من قسم الكليات في الوزارة. وبما أنها تابعة لوزارة التربية والتعليم فقد وجدت المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة ظفار أن من حقها الإشراف على هذه الكلية أيضا، فكثيراً ما كانت الكليات تحظى بزريارات مفاجئة وعلنية للمكرَّم الشيخ عبد القادر الغساني المدير العام للمديرية العامة للتربية والتعليم ليتابع من خلالها ما يجري بالكلية ويبدي توجيهاته بهذا الخصوص.  وكان سعادته يحرص على الزيارات أثناء الامتحانات فيسبقه أحد الموظفين وغالباً ما يكون الاستاذ احمد الكاف لينبه الجميع أن الشيخ وصل ويطلب من الطلاب وضع المصرات على رؤوسهم لأن هذا زي الطلاب بالكليات و مؤسسات الدولة. فيتفقد سعادته سير الاختبارات في الكلية ثم يعود.

وبعد أن تم تعيين مديرٍ عام جديد خلفاً للشيخ بالمديرية العامة بقيت الزيارات خصوصية للشيخ فقط: فقد استمر بالحضور للكليات والإشراف رغم أن وظيفته الجديدة هي مستشار في مكتب وزير الدولة و محافظ ظفار.  لكن الجديد أن الشيخ عبد القادر أصبح يجد من الوقت ما يسمح له أيضاً بالإشراف على التربية العملية للطلاب وحضور الحصص مع المعلمين المشرفين ويحضر جلسات النقاش بين الطلاب والمشرفين.  وهذا طبعا لم يرق كثيراً للمعنيين بالأمر لأن مثل هذه الزيارة يعني بقاء المشرفين والطلاب لنهاية اليوم الدراسي.

سألني مرة الشيخ عندما كان يزور إحدى المدارس " ماذا تدرس ؟" وهو طبعاً يعرف أنني من الكلية فقلت اللغة الانجليزية فضحك وأشار بيده إشارة بما تفيد " اللهم اجعل بيننا وبينهم بحراً". لهذا كان يومنا ينتهي بمجرد أن نحضر حصص الطلاب ونتناقش معهم أداءهم ونعطي نصائحنا لهم، وينقضى الأمر، ونذهب في حين أن زملاءنا يتأخروا حتى يتنهي الشيخ من توجيهاته.

وفي الحقيقة فالشيخ عبد القادر الغساني هو معلم قديم جداً وهو من أجيال آبائنا تقريباً وهو من الرعيل الأول للمعلمين العمانيين، لهذا كنا نلمس عنده حرص الأب على فلذات أكباده من طلاب الكلية ويريدهم أن يستفيدوا بقدر المستطاع من معلميهم.   ويُكبِر فيه الموظفون خبرته وحرصه ومركزه الاجتماعي كذلك فلا يردون له طلباً أبدا؛ وتوجيهاته تصبح أوامر ينفذها الجميع.

أما في قسم اللغة الانجليزية فقد كان لنا شأن آخر كما أسلفت بالنسبة لزيارات الشيخ. أما بالنسبة للوزارة فقد كان يحضر لعندنا مشرفون خاصون من الوزارة في مسقط و يلتقون بنا ثم يعودون باليوم التالي من حيث أتوا. وكانوا جميعاً من الجنسية البريطانية باستثناء السنة ألأخيرة حيث تم تعيين أحد الإخوة السودانيين مشرفاً عاماً وأظنه كان بدوام جزئي حيث كان معلماً بالكلية المتوسطة بالقرم بمسقط.  والطريف بالأمر بالنسبة لهذا الأخ السوداني (الأستاذ الهادي المواج) أنه كان بكلية صلالة قبل وصولي واستقال عندما تم تغيره من رئيس قسم إلى مدرس ليكون تحت إمرة الدكتور عشماوي الذي أصبح رئيساً للقسم.  تدور الأيام ويأتينا الأستاذ السوداني مشرفاً يفتش على عمل الدكتور العشماوي ليقول  له حاضر يا أفندم.

وللحقيقة وبعد كل هذه الخدمة الطويلة، لا زلت لا أدري السحر في مسقط أو العاصمة عموماً؛  فعندما يُقيض للإنسان العمل في العاصمة يصبح بقدرة قادر مشرفاً وعنده بُعد تربوي ورؤية قيادية كما هو الحال بقضية الزميل السوداني أو الزملاء الآخرين الذين زاملناهم في مراحل مختلفة وقضت طبيعة عملهم أن يكونوا بالعاصمة وغيرهم في أماكن أخرى

الأحد، 1 يناير 2017

الكلية

الكلية

كانت بداية معرفتي بالتعليم العالي بهذه المحافظة عندما التحقتُ إلى الكلية المتوسطة للمعلمين التابعة لوزارة التربية والتعليم العمانية عام 1990.  وكانت هذه الكلية جزءاً من منظومة تابعة لدائرة إعداد وتوجيه المعلمين يرأسها بتلك الفترة الأستاذ جابر العبري، وتتألف من خمس كليات وهي الكلية المتوسطة للمعلمين بالقرم بمسقط، والكلية المتوسطة للمعلمين بالرستاق  والكلية المتوسطة للمعلمين بعبري (إناث)، والكلية المتوسطة للمعلمين بنزوي والكلية المتوسطة للمعلمين بصلالة، وكانت كلها بأبنية مستقلة باستثناء الكلية المتوسط للمعلمات بصلالة حيث كانت جزءاً من مدرسة.

 و قد اتضح لي كما علمت لاحقا أن الهدف من هذه الكليات هي تخرج معلمين عمانيين مؤهلين لإحلالهم محل العمالة الأجنبية كخطوة للتعمين بالمرحلة الإلزامية، ضمن برنامج طموح يمتد لعشرة سنوات.   و اختارت وزارة التربية النموذج الأردني بالمناهج، فالخطة أردنية و المناهج تم تصميها أردنياً، والكتب تم تأليفها من قبل أردنيين.  وبما أن الهدف كان للتعمين فقد كانت خطوات التعمين هذه تتم حسب الحاجة ونتج عنها محدودية المقبولين، إذ لم تكن الأعداد كبيرة، فقد كانت الدفعة (اللغة الانجليزية) التي درسّناها عام 1990 ثمانية عشر طالباً، وأخذ العدد يتناقص إلى أن وصل الصفر بالسنة الأخيرة فلم يكن لدينا أي طالب تخصص لغة انجليزية، وكان جدولنا من اللغة الانجليزية ثقافة عامة. وفي السنة قبل الإخيرة ستة طلابا فقط لا غير. وكان تفسير هذا هو أن الحاجة في العام القادم هي لهذه الأعداد فقط.

وبما أن الهدف هو التعليم والتدريس فقد كانت المناهج تركز على الجانب العملي أكثر من المحتوى الفعلي للمادة؛ وكان الهدف كما يبدو هو تدريب الطلاب وتأهيلهم بالمواد التي سيدرسونها لطلاب المرحلة الإلزامية الابتدائية.  وفي حالة اللغة الانجليزية تعني الصفوف الرابع والخامس والسادس بتلك الفترة حيث كان يبدأ تدريس اللغة الانجليزية بالصف الرابع.  لهذا كان كلُ فصل يحتوي على ما يُعرف بالتربية العملية، تبدأ بالمشاهدة لمعلمين أصليين في المدارس بالفصل الأول ومن ثم مشاهدة أقرانهم من السنة الثانية، ثم يبدأون بإعطاء الدروس اعتباراً من الفصل الثاني ولمدة سنتين. وبعد كل حصة يعطونها نجلس معهم و نناقشهم ونوجههم للأفضل.
لكن هذا لا يمنع أن تكون هناك مواد أكاديمية أخرى فهم طلاب تخصص لغة انجليزية.  فهناك مساق اللغة الانجليزية العام وهو متطلب كلية لكل التخصصات. وهناك مساق قواعد، ومساق صوتيات ولفظ، ومساق تذوق نصوص أدبية وهذا كان من نصيبي طيلة وجودي بالكلية لأنني أحضرت مادة المساق معي من الأردن، ومساق وسائل تعليمية، ومساق الاختبارات وتصميمها. وكان هناك مختبر لغة انجليزية ماركة فيليبس للاستماع.

أما عن التخصصات فكانت : التربية الإسلامية واللغة العربية واللغة الانجليزية والدراسات الاجتماعية والعلوم والرياضيات والتربية المهنية للذكور والتدبير المنزلي للإناث؛ و هذه هي التخصصات الموجودة بالمدارس. 

وبما أن التربية هي الأساس فقد كان قسم التربية والمنهاج هو الأكبر من حيث عدد المدرسين؛ ففي الوقت الذي كانت بعض الأقسام تحوي ثلاث مدرسين فقط كان قسم التربية يحوي على عشرين مدرساً تقريباً.


صورة لي غير واضحة المعالم  مع طلاب قسم اللغة الاجليزية شاءت الصدف أن يزودني بها الأستاذ عبد الله المعمري سنة 2015 وهو أحد طلابي بالكلية المتوسطة للمعلمين في عام 1993عندما التقيته بمركز اللولو للتسوق. وهو أحد الشباب  بالصورة. وفيها أيضا الأستاذ سعيد المشيخي الذي شاءت الصدف أيضا أن يزاملني في الكلية التقنية بعد هذه المدة الطويلة.  وهناك تواصل بيني وبين بعض الشباب من طلابنا بتلك الفترة سواء من كان بصلالة أو بالشمال؛ والفضل لهذا العالم الفضائي وهو الانترنت.